يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ سبْحَانَهُ ضَرَبَ لِلْكُفَّارِ أَيْضًا مَثَلَيْنِ بِحَرْفِ (أَوْ) فَقَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)} النور:٣٩، ٤٠.
فَالْأوَّلُ: مِثْلُ الْكُفْرِ الَّذِي يَحْسِبُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ عَلَى حَق وَهُوَ عَلَى بَاطِلٍ، {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} فاطر: ٨ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ؛ فَلِهَذَا مَثَّلَ بِسَرَاب بِقِيعَة.
وَالثَّانِي: مِثْلُ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ صَاحِبُة شَيْئًا؛ بَل هُوَ فِي {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} مِن عِظَمِ جَهْلِهِ لَمْ يَكُن مَعَهُ اعْتِقَادٌ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ؛ بَل لَمْ يَزَلْ جَاهِلًا ضَالًّا فِي ظُلُمَاتٍ مُتَرَاكِمَةٍ.
وَأَيْضًا: فَقَد يَكُونُ الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ تَارَةً مُتَّصِفًا بِهَذَا الْوَصْفِ وَتَارَةً مُتَّصِفًا بِهَذَا الْوَصْفِ فَيَكُونُ التَّقْسِيمُ فِي الْمَثَلَيْنِ لِتَنَوُّعِ الْأَشْخَاصِ وَلتَنَوُّعِ أَحْوَالِهِمْ. ٧/ ٢٦٩ - ٢٧٨
* * *
(المُؤْمِنُ يُبْتَلَى بِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَبِوَسَاوِسِ الْكُفْرِ)
٥٣٤ - الْمُؤْمِنُ يُبْتَلَى بِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَبِوَسَاوِسِ الْكُفْرِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا صَدْرُهُ؛ كَمَا قَالَت الصَّحَابَة: يَا رَسُول اللهِ إنَّ أَحَدَنَا لَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ مَا لَئِنْ يَخِرُّ مِن السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِن أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ" (١).
وَفِي رِوَايَةٍ: مَا يَتَعَاظَمُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ: قَالَ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَدَّ كيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ" (٢).
(١) رواه مسلم (١٣٢).
(٢) رواه أبو داود (٥١١٢).