فَلَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ مِن تَصْدِيقٍ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَحُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ مَعَ الْبُغْضِ للهِ وَلرَسُولِهِ، وَمُعَادَاةِ اللهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ إيمَانًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ وَالْعِلْمِ يَسْتَلْزِمُ الْحُبَّ، إلَّا إذَا كَانَ الْقَلْبُ سَلِيمًا مِن الْمَعَارِضِ؛ كَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ؛ لِأنَّ النَّفْسَ مَفْطُورَةٌ عَلَى حُبِّ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يُلَائِمُهَا.
وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إلَى الْقُلُوب السَّلِيمَةِ مِن اللهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلام الَّذِي اتَّخَذَهُ اللهُ خَلِيلًا، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)} الشعراء: ٨٨، ٨٩.
فَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ مُوجِبًا لِحُبِّ الْمَعْلُومِ، إنْ لَمْ يَكُن فِي النَّفْسِ قُوَّةٌ أُخْرَى تُلَائِمُ الْمَعْلُومَ، وَهَذِهِ الْقُوَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي النَّفْسِ.
وَكُلٌّ مِن الْقُوَّتَيْنِ تَقْوَى بِالْأُخْرَى؛ فَالْعِلْمُ يُقَوِّي الْعَمَلَ، وَالْعَمَلُ يُقَوِّي الْعِلْمَ (١).
فَمَن عَرَفَ اللهَ وَقَلْبُهُ سَلِيمٌ: أَحَبَّهُ.
وَكُلَّمَا ازْدَادَ لَهُ مَعْرِفَةً: ازْدَادَ حُبُّهُ لَهُ.
وَكُلَّمَا ازْدَادَ حُبُّهُ لَهُ: ازْدَادَ ذِكْرُهُ لَهُ، وَمَعْرِفَتُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ فَإِنَّ قُوَّةَ الْحُبِّ تُوجِبُ كَثْرَةَ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ؛ كَمَا أَنَّ الْبُغْضَ يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَن ذِكْرِ الْمُبْغِضِ.
فَمَن عَادَى اللهَ وَرَسُولَهُ وَحَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ: كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِإِعْرَاضِهِ عَن
(١) فكلما قوي علم العبد بالله وأسمائه وصفاته، وعرف قدرته وعظمته، وتفكر في آياته الكونية والشرعية بصدق وإخلاص: أثمر ذلك -ولا بدّ- قوةً عمليّة في القلب والبدن، فيقوى حبّه لله وتعلقه به، وخوفه منه، ورجاؤُه له، وسعى في البحث عما يُرضيه من الأقوال والأعمال ليقوم بها.
والعكس صحيح، فكلما قوي حبّ العبد لله وتعلقه به، وخوفه منه، ورجاؤه له، وعمل بما يُرضيه من الأقوال والأعمال: قوي علمه بالله وأسمائه وصفاته، ورسخ تصديقه بربه.