أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ" (١).
وَالْجَهْلُ هُنَا: هُوَ الْكَلَامُ الْبَاطِلُ، بِمَنْزِلَةِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا … فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
وَمِن هَذَا سُمِّيَت الْجَاهِلِيَّةُ جَاهِلِيَّةً، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ أَو لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي ذَرٍّ: "إنَّك امْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّةٌ" (٢) لَمَّا سَابَّ رَجُلًا وَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ.
وَقَد قَالَ تَعَالَى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} الفتح: ٢٦.
فَإِنَّ الْغَضَبَ وَالْحَمِيَّةَ: تَحْمِلُ الْمَرْءَ عَلَى فِعْلِ مَا يَضُرُّهُ، وَتَرْكِ مَا يَنْفَعُهُ، وَهَذَا مِن الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عَمَل بِخِلَافِ الْعِلْمِ، حَتَّى يُقْدِمَ الْمَرْءُ عَلَى فِعْلِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ، وَتَرْكِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ؛ لِمَا فِي نَفْسِهِ مِن الْبُغْضِ وَالْمُعَادَاةِ لِأَشْخَاص وَأَفْعَالٍ.
وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ عَدِيمَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنَّهُ لِمَا فِي نَفْسِهِ مِن بُغْضٍ وَحَسَدٍ: غَلَبَ مُوجِبُ ذَلِكَ لِمُوجِبِ الْعِلْمِ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْعِلْمِ لِعَدَمِ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ.
فَالْإِيمَانُ: لَا بُدَّ فِيهِ مِن هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ:
أ- التَّصدِيقِ بِالْحَقِّ.
ب- وَالْمَحَبَّةِ لَهُ.
فَهَذَا أَصْلُ الْقَوْلِ، وَهَذَا أَصلُ الْعَمَلِ.
(١) رواه مسلم (١١٥١).
(٢) رواه البخاري (٣٠)، ومسلم (١٦٦١).