حُبًّا للهِ، وَلهَذَا لَمْ يَقْبَل اللهُ مَا فَعَلَهُ مِن نَصْرِ الرَّسُولِ وَمُؤَازَرَتهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ للهِ، وَاللهُ لَا يَقْبَلُ مِن الْعَمَلِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، بِخِلَافِ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَّبهِ الْأَعْلَى.
وَهَذَا مِمَّا يُحَقِّق أَنَّ الْإِيمَانَ وَالتَّوْحِيدَ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِن عَمَلِ الْقَلْبِ كحُبِّ الْقَلْبِ فَلَا بُدَّ مِن إخْلَاصِ الدِّينِ للهِ وَالدِّينُ لَا يَكُونُ دِينًا إلَّا بِعَمَل.
والْعِبَادَةُ أَصْلُهَا الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ (١). ١٠/ ٢٧٣ - ٢٧٤
٥٧٥ - أَبُو طَالِبٍ إنَّمَا كَانَت مَحَبَّتُهُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، لَا للهِ، وَإِنَّمَا نَصَرَهُ وَذَبَّ عَنْهُ لِحَمِيَّةِ النَّسَبِ وَالْقَرَابَةِ؛ وَلهَذَا لَمْ يَتَقَبَّل اللهُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَو كَانَ ذَلِكَ عَن إيمَانٍ فِي الْقَلْبِ لَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ضَرُورَةً، وَالسَّبَبُ الَّذِي أَوْجَبَ نَصْرَهُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- -وَهُوَ الْحَمِيَّةُ- هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ امْتِنَاعَهُ مِن الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَنَحْوِهِ. ٧/ ٥٥٣ - ٥٥٤
* * *
(التَّفَاضُل فِي الْإِيمَانِ بِدُخُولِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فِيهِ يَكُون مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ)
٥٧٦ - التَّفَاضُلُ فِي الْإِيمَانِ بِدُخُولِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فِيهِ يَكُونُ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
أَحَدُهَا: الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا وَتَزِيدُ وَتَنْقُصُ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى دُخُولِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ، لَكِنْ نِزَاعُهُم فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ: وَهُوَ زِيَادَةُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ
(١) أي: أن المقصود الأعظم من العبادة تصحيح القصد والإرادة، فالأعمال الظاهرة من صلاة وزكاة وأعمال صالحة إن لم يقترن بها صحة القصد والإرادة من حب لله تعالى، وخوفه والتوكل عليه: فهي عبادة ناقصةٌ، لا تُؤثر في العابد تأثيرًا كبيرًا في سلوكه وأخلاقه ودينه.