وَالْعَاجِزُ كَقَوْلِهِمْ: لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ، فَإِنَّهُم يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْعَاقِبَةَ، لَكِنَّهُم عَاجِزُونَ عَن دَفْعِهَا.
وَاللهُ تَعَالَى عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَلَا يُقَالُ: إنَّ فِعْلَهُ كَفِعْلِ الْجَاهِلِ الْعَاجِزِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللهَ أَرَادَ هَذ الْغَايَةَ بالِاتِّفَاقِ؛ فَالْعِبَادَةُ الَّتِي خُلِقَ الْخَلْقُ لِأَجْلِهَا هِيَ مُرَادَةٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُم يُسَلِّمُونَ أَنَّ اللهَ أرَادَهَا، وَحَيْثُ تَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ لَا يَكُونُ الْفَاعِلُ أَرَادَ الْعَاقِبَةَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: خَلَقَهُم وَأَرَادَ أَفْعَالَهُم وَأَرَادَ عِقَابَهُم عَلَيْهَا.
وَمِن هُنَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى الْآيَةِ: فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} الذاريات: ٥٦ يُشْبِهُ قَوْلَهُ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} البقرة: ١٨٥، وَقَوْلَهُ: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} الحج: ٣٧.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} النساء: ٦٤ فَهُوَ لَمْ يُرْسِلْهُ إلا ليُطَاعَ، ثُمَّ قَد يُطَاعُ وَقَد يُعْصَى.
وَكَذَلِكَ مَا خَلَقَهُم إلَّا لِلْعِبَادَةِ، ثُمَّ قَد يَعْبُدُونَ وَقَد لَا يَعْبُدُونَ.
وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ: يُبَيِّنُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُكَبِّرُوهُ، وَليَعْدِلُوا وَلَا يَظْلِمُوا، وَليَعْلَمُوا مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ الْعِبَادَ وَأَحَبَّهُ لَهُم وَرَضِيَهُ مِنْهُمْ، وَفِيهِ سَعَادَتُهُم وَكَمَالُهُم وَصَلَاحُهُم وَفَلَاحُهُم إذَا فَعَلُوهُ.
ثُمَّ مِنْهُم مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمِنْهُم مَن لَا يَفْعَلُهُ. ٨/ ٣٧ - ٥٧
* * *
الإيمان بالقدر وكتابة الله له
٥٩٩ - فِي حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ قَبَضَ قَبْضَةً فَقَالَ: إلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِي، وَقَبَضَ