ب- وَلِإِحْسَانِهِ.
هَذَا (١) حَمْدُ شُكْرٍ، وَذَاكَ (٢) حَمْدٌ مُطْلَقًا.
وَقَد ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا أَنَّ مَا خَلَقَهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الشُّكْرَ، وَهُوَ مِن آلَائِهِ؛ وَلهَذَا قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّجْمِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} النجم: ٥٥.
وَفِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ يَذْكُرُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)} الرحمن: ٢٦ وَنَحْو ذَلِكَ، وَيَقُولُ عَقِبَهُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨)} الرحمن: ٢٨.
قَالَ طَائِفَةٌ -وَاللَّفْظُ للبغوي- ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)} الرحمن: ٤٤ قَالَ: كُلَّمَا ذَكَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن قَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)} فَإِنَّهُ مَوَاعِظُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْجُرُ عَن الْمَعَاصِي.
وَقَالَ آخَزونَ -مِنْهُم الزَّجَّاجُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ-: فَبِاَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ (٣)؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا نِعَمٌ فِي دِلَالَتِهَا إيَّاكُمْ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَرِزْقِهِ إيَّاكُمْ مَا بِهِ قِوَامُكُمْ.
هَذَا قَالُوهُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} النجم: ٥٥، فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تُشَكِّكُ، وَقِيلَ: تَشُكُّ وَتُجَادِلُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُكَذِّبُ.
قُلْتُ: ضُمِّنَ تَتَمَارَى مَعْنَى تُكَذِّبُ، وَلهَذَا عَدَّاهُ بِالتَّاءِ؛ فَإِنَّهُ تَفَاعُلٌ مِن الْمِرَاءِ، يُقَالُ: تَمَاريْنَا فِي الْهِلَالِ، وَمِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ، وَهُوَ يَكُونُ لِتَكْذِيبٍ وَتَشْكِيكٍ.
(١) أي: الذي لِإِحْسَانِهِ.
(٢) أي: الذي لِذَاتِهِ.
(٣) التي ذكرها تعالى.