وَمَن ضَلَّ عَن حَقٍّ فَلَا تَقْفُوَنَّهُ … وَزِنْ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ بالمعدلية
هُنَالِكَ تَبْدُو طَالِعَاتٌ مِن الْهُدَى … تُبَشِّرُ مَن قَد جَاءَ بِالْحَنِيفِيَّةِ
بِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ ذَاكَ إمَامُنَا … وَدِينِ رَسُولِ اللهِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ
فَلَا يَقْبَلُ الرَّحْمَنُ دِينًا سِوَى الَّذِي … بِهِ جَاءَتِ الرُّسْلُ الْكِرَامُ السَّجِيَّةِ.
وَحُجَّةُ مُحْتَجٍّ بِتَقْدِيرِ رَبِّهِ … تَزِيدُ عَذَابًا كَاحْتِجَاجِ مَرِيضَةِ
وَأَمَّا رِضَانَا بِالْقَضَاءِ فَإِنَّمَا … أُمِرْنَا بِأَنْ نَرْضَى بِمِثْل الْمُصِيبَةِ
كَسُقْم وَفَقْرٍ ثُمَّ ذُلٍّ وَغُرْبَةِ … وَمَا كَانَ مِن مُؤْذٍ بِدُونِ جَرِيمَةِ
فَأمَّا الْأَفَاعِيلُ الَّتِي كُرِهَتْ لَنَا … فَلَا تُرْتَضَى مَسْخُوطَةَ لِمَشِيئَةِ
وقَد قَالَ قَوْمٌ مِن أُولي الْعِلْمِ لَا رضى … بِفِعْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ
وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِقَضَائِهِ … وَلَا نَرْتَضِي الْمَقْضِيَّ أَقْبَحَ خَصْلَةِ
وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِإِضَافَةِ … إلَيْهِ وَمَا فِينَا فَنُلْقِيْ بِسَخْطَةِ
كَمَا أَنَّهَا لِلرَّبِّ خَلْقٌ وَإِنَّهَا … لِمَخْلُوقِهِ لَيْسَتْ كَفِعْلِ الْغَرِيزَةِ
فَنَرْضَى مِن الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ … وَنَسْخَطُ مِن وَجْهِ اكْتِسَابِ الْخَطِيئَةِ
وَأمْرُ إلَهِ الْخَلْقِ بَيّن مَا بِهِ … يَسُوقُ أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْو السَّعَادَةِ
فَمَن كَانَ مِن أَهْلِ السَّعَادَةِ أَثَّرَتْ … أَوَامِرُهُ فِيهِ بِتَيْسِيرِ صَنْعَةِ
وَمَن كَانَ مِن أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَمْ يَنَلْ … بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ بِتَقْدِيرِ شِقْوَةِ
وَلَا مَخْرَجٌ لِلْعَبْدِ عَمَّا بِهِ قُضِيْ … وَلَكِنَّهُ مُخْتَارُ حُسْنٍ وَسَوْأَةِ
فَلَيْسَ بِمَجْبُورٍ عَدِيمِ الْإِرَادَةِ … وَلَكِنَّهُ شَاءَ بِخَلْقِ الْإِرَادَةِ
وَمِن أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ خَلْقُ مَشِيئَةٍ … بِهَا صَارَ مُخْتَارَ الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ
فَقَوْلُكَ: هَل أخْتَارَ تَرْكًا لِحِكْمَةٍ؟ … كَقَوْلِكَ: هَل أخْتَارَ تَرْكَ الْمَشِيئَةِ؟ (١)
(١) والمعنى: فقولك أيها المعترض: هل أختار ترك حكم الله وقدره مثل قولك: هل أختار ترك مشيئتي؟
يعني: فأنت الذي اخترت أفعال المعاصي، فلو زعمت: أنك لا تختار ولا تحب فعل الضلالة والغي، فأنت بين أمرين:
- إما أن تكون كاذبًا، وهو الواقع على كل من يعترض على المعاصي بالقدر ولكنه يريد بهذا الكلام دفع الشنعة عليه، وقصده معروف، فهو يعرف من نفسه: أنه لا يختار ولا يحب أن =