فَمُوسَى أَيْضًا قَد تَابَ مِن ذَنْبٍ عَمِلَهُ، وَقَد قَالَ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} الأعراف: ١٥٥.
وَآدَمُ أَعْلَمُ مِن أَنْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا مَلَامَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ وَقَد عَلِمَ أَنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللهُ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ.
وَهُوَ أَيْضًا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيْهِ، وَآدَمُ قَد تَابَ مِن الذَّنْبِ وَاسْتَغْفَرَ، فَلَو كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ نَافِعًا لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ لَاحْتَجَّ وَلَمْ يَتُبْ وَيَسْتَغْفِرْ.
فَإِنْ قِيلَ: وَهُوَ قَد تَابَ فَلِمَاذَا بَعْدَ التَّوْبَةِ أهْبِطَ إلَى الْأرْضِ؟
قِيلَ: التَّوْبَةُ قَد يَكونُ مِن تَمَامِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ يَعْمَلُهُ فَيُبْتَلَى بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَنْظُرَ دَوَامَ طَاعَتِهِ.
وإذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى قَد يَبْتَلِي الْعَبْدَ مِن الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ بِمَا يُحصِّلُ مَعَة شُكْرهُ وَصَبْرهُ، أَمْ كفْرهُ وَجَزَعهُ، وَطَاعَتَهُ أمْ مَعْصِيَتَهُ: فَالتَّائِبُ أَحَقُّ بِالِابْتِلَاءِ، فَآدَمُ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ ابْتِلَاءً لَهُ، وَوَفَّقَهُ اللهُ فِي هُبُوطِهِ لِطَاعَتِهِ، فَكَانَ حَالُهُ بَعْدَ الْهُبُوطِ خَيْرًا مِن حَالِهِ قَبْلَ الْهُبُوطِ. ٨/ ٣٠٤ - ٣٢٣
* * *
(الْإِنْسَانُ مَأْمُورٌ بشهُودِ الْقَدَرِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبيَّةِ عِنْدَ الْمَصًائِبِ وفِعْلِ الطَّاعَاتِ)
٦٢٢ - كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِشهُودِ الْقَدَرِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ: فَهُوَ مَأمُورٌ بِذَلِكَ عِنْدَمَا يُنْعِمُ الله عَلَيْهِ مِن فِعْلِ الطَّاعَاتِ (١)، فَيَشْهَدُ قَبْلَ فِعْلِهَا حَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ إلَى إعَانَةِ اللهِ لَهُ، وَتَحَقُّقِ قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}.
(١) فكما أنه ينسب ما يجري له من المصائب إلى قَدَر اله ومشيئته، فيرضى ويُسلم: فكذلك الواجب أن ينسب ما يفعله من الطاعات والأعمال الصالحة لمشيئة الله وفضلِه وقَدَره، حتى لا يُصاب بالغرور والعجب والاتكال على العمل.