فَيَكُونُ مَن يَشْهَدُ الْعُبُودِيَّةَ مَعَ الذُّنُوبِ وَالِاعْتِرَافِ بِهَا -لَا مَعَ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ- عَلَيْهَا: خَيْرًا مِن هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ الطَّاعَةَ مِنْهُ لَا مِن إحْسَانِ اللهِ إلَيْهِ، وَيَكُونُ أُولَئِكَ الْمُذْنِبُونَ بِمَا مَعَهُم مِن الْإِيمَانِ أَفْضَلَ مِن طَاعَةٍ بِدُونِ هَذَا الْإِيمَانِ. ٨/ ٣٣٠ - ٣٣١
* * *
(متي لا يجب للمسلم العوض والقصاص مما ناله من أذى في مالِه وبدنه؟)
٦٢٣ - قَد يُصِيبُ النَّاسَ مَصَائِبُ بِفِعْلِ أَقْوَامٍ مُذْنِبِينَ تَابُوا؛ مِثْل كَافِرٍ يَقْتُلُ مُسْلِمًا ثُمَّ يُسْلِمُ وَيَتُوبُ الله عَلَيْهِ، أَو يَكُونُ مُتَأَوِّلًا لِبِدْعَة ثُمَّ يَتُوبُ مِن الْبِدْعَةِ، أَو يَكُونُ مُجْتَهِدًا، أَو مُقَلِّدًا مُخْطِئًا، فَهَؤُلَاءِ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ أَذى بِفِعْلِهِمْ: فَهُوَ مِن جِنْسِ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا قِصَاصٌ مِن آدَمِيٍّ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ الْقِتَالُ فِي "الْفِتْنَةِ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَت الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَو مَالٍ أَو فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ.
وَكَذَلِكَ "قِتَالُ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلينَ"، حَيْث أَمَرَ اللهُ بِقِتَالِهِمْ إذَا قَاتَلَهُم أَهْلُ الْعَدْلِ، فَأَصَابُوا مِن أَهْلِ الْعَدْلِ نُفُوسًا وَأَمْوَالًا: لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَكَذَلِكَ "الْمُرْتَدُّونَ" إذَا صَارَ لَهُم شَوْكَةٌ فَقَتَلُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَصَابُوا مِن دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، كَمَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنَّهُم لَا يَضْمَنونَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مَا أَتْلَفُوهُ مِن النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ؛ فَإِنَّهُم كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ، وَإِن كَانَ تَأْوِيلُهُم بَاطِلًا.
كَمَا أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْهُ مَضَتْ بِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا قَتَلُوا بَعْضَ