وَالْإِنْسَانُ قَد يُنْكِرُ أَمْرًا حَتَّى يَرَى وَاحِدًا مِن جِنْسِهِ فَيُقِرُّ بِالنَّوْعِ وَيَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ حُكْمًا كُلِّيُّا؛ وَلهَذَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)} الشعراء: ١٠٥، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)} الشعراء: ١٢٣ وَنَحْو ذَلِكَ.
وَكُلٌّ مِن هَؤُلَاءِ إنَّمَا جَاءَهُ رَسُولٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِجِنْسِ الرُّسُلِ لَمْ يَكُنْ تَكْذِيبُهُم بِالْوَاحِدِ بِخُصُوصهِ. ٩/ ٢٣٨
* * *
(قِيَاس الطَّرْدِ وَقِيَاس الْعَكْسِ)
٦٨٠ - مِن أَعْظَمِ صِفَاتِ الْعَقْلِ: مَعْرِفَةُ التَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ، فَإِذَا رَأَى الشَّيْئَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلِمَ أَنَّ هَذَا مِثْلُ هَذَا، فَجَعَلَ حُكْمَهُمَا وَاحِدًا، كمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ وَالْمَاءَ، وَالتُّرَابَ وَالتُّرَابَ، وَالْهَوَاءَ وَالْهَوَاءَ، ثُمَّ حَكَمَ بِالْحُكْمِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ.
وإِذَا حَكَمَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ وَمَثَّله بِالنَّظِيرِ، وَذَكَرَ الْمُشْتَرَكَ: كَانَ أَحْسَنَ فِي الْبَيَانِ، فَهَذَا قِيَاسُ الطَّرْدِ.
وَإِذَا رَأَى الْمُخْتَلِفَيْنِ كَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا قِيَاسُ الْعَكْسِ.
وَمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن الِاعْتِبَارِ فِي كِتَابِهِ يَتَنَاوَلُ قِيَاسَ الطَّرْدِ وَقِيَاسَ الْعَكْسِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا أَهْلَكَ الْمُكَذبِينَ لِلرُّسُلِ بِتَكْذِيبِهِم كَانَ مِن الِاعْتِبَارِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَن فَعَلَ مِثْل مَا فَعَلُوا أَصَابَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ، فَيَتَّقِي تَكْذِيبَ الرُّسُلِ حَذَرًا مِن الْعُقُوبَةِ، وَهَذَا قِيَاسُ الطَّرْدِ.
وَيُعْلَمُ أَنَّ مَن لَمْ يُكَذِّبْ الرُّسُلَ لَا يُصِيبُهُ ذَلِكَ، وَهَذَا قِيَاسُ الْعَكْسِ (١). ٩/ ٢٣٩
* * *
(١) إلى هنا انتهت الفوائد المنتقاة من تهذيب السيوطي لكتاب الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد قال في آخره: هَذَا آخِرُ مَا لَخَّصْته مِن كِتَابِ ابْنِ تَيْمِيَّة، وَقَد أَوْرَدْت عِبَارَتَهُ =