وَالْعَقْلُ الْمَشْرُوطُ فِى التَّكلِيفِ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عُلُومًا يُمَيِّزُ بِهَا الْإِنْسَانُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ.
فَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ، وَلَا بَيْنَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَلَا يَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ مِن الْكَلَامِ: لَيْسَ بِعَاقِل.
أَمَّا مَن فَهِمَ الْكَلَامَ وَمَيَّزَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ: فَهُوَ عَاقِلٌ.
ثُمَّ مِن النَّاسِ مَن يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ عُلُومٌ ضَرُورِّيَةٌ، وَمِنْهُم مَن يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِ تِلْكَ الْعُلُومِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْعَقْلِ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا.
وَقَد يُرَاد بِالْعَقْلِ نَفْسُ الْغَرِيزَةِ الَّتِي فِي الْإِنْسَانِ الَّتِي بِهَا يَعْلَمُ ويُمَيِّزُ وَيقْصِدُ الْمَنَافِعَ دُونَ الْمَضَارِّ، كَمَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثُ المحاسبي وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْعَقْلَ غَرِيزَةٌ.
وَهَذِهِ الْغَرِيزَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ، كَمَا أَنَّ فِي الْعَيْنِ قُوَّةً بِهَا يُبْصِرُ، وَفِي اللِّسَانِ قُوَّةً بِهَا يَذُوقُ، وَفِي الْجِلْدِ قُوَّةً بِهَا يَلْمِسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ. ٩/ ٢٨٦ - ٢٨٧
٦٨٥ - الْعَقْلُ: قَائِمٌ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تَعْقِلُ.
وَأَمَّا مِن الْبَدَنِ (١): فَهُوَ مُتَعَلِّق بِقَلْبِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} الحج: ٤٦.
وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَاذَا نِلْت الْعِلْمَ: قَالَ: "بِلِسَان سَؤُولٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ".
لَكِنَّ لَفْظَ "الْقَلْبِ":
- قَد يُرَادُ بهِ الْمُضْغَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الشَّكْلِ، الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِن الْبَدَنِ، الَّتِي جَوْفُهَا عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ، كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْن" (٢) عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ
(١) أي: موضعه ومكانه في الجسم.
(٢) تقدم تخريجه.