جَاءَت بِهِ الرُّسُلُ عَن اللهِ وَالْوَفَاءُ بِمِيِثَاقِ اللهِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ.
فَكَانَ مِن أَوَّلِ الْبِدَعِ وَالتَّفَرُّقِ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ "بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ" الْمُكَفَّرَةِ بِالذَّنْبِ، فَإِنَّهُم تَكَلَّمُوا فِي الْفَاسِقِ الْمِلِّي، فَزَعَمَت الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ الذُّنُوبَ الْكَبِيرَةَ -وَمِنْهُم مَن قَالَ: وَالصَّغِيرَةَ - لَا تُجَامِعُ الْإِيمَانَ أَبَدًا بَل تُنَافِيهِ وَتُفْسِدُهُ.
وَقَابَلَتْهُم الْمُرْجِئَةُ وَالْجَهْمِيَّة وَمَن اتَّبَعَهُم مِن الْأَشْعَرِيَّةِ والكَرَّامِيَة، فَقَالُوا: لَيْسَ مِن الْإِيمَانِ فِعْلُ الْأَعْمَالِ الْوَاجِبَةِ، وَلَا تَرْكُ الْمَحْظُورَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَالْإِيمَانُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ؛ بَل هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ: مِن الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُقَرَّبِينَ وَالْمُقْتَصِدِينَ وَالظَّالِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ فُقَهَاءُ الْمُرْجِئَةِ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ.
وَقَالَ أَكْثَرُ مُتَكَلِّمِيهِمْ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِن الصَّحَابَةِ جَمِيعِهِمْ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ مِثْل مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَحَمَّادِ بْنِ زيدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَمُحَقِّقِي أَهْلِ الْكَلَامِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، هَذَا لَفْظُ السَّلَفِ مِن الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِن كَانَ قَد يَعْنِي بِالْإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَا يُغَايِرُ الْعَمَلَ، لَكِنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ كُلَّهَا تَدْخُلُ أَيْضًا فِي مُسَمَّى الدِّينِ وَالْإِيمَانِ، ويدْخُلُ فِي الْقَوْلِ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَفِي الْعَمَلِ عَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارحِ. ١٢/ ٤٦٤ - ٤٧٢
٧١٣ - وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ: فِي رَجُلٍ قَالَ: إنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ وَمُوسَى عليه السلام سَمِعَ مِن الشَّجَرَةِ لَا مِن اللهِ، وَأَنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يُكَلِّمْ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ، وإِنَّمَا أَخَذَهُ مِن اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَهَل هُوَ عَلَى الصَّوَابِ أَمْ لَا؟