افْتَرَاهُ أُولَئِكَ وَهُم فِي شَكٍّ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)} الشورى: ١٤.
وَهَذَا بِخِلَافِ بدْعَةِ الْخَوَارج؛ فَإِنَّ أَصْلَهَا مَا فَهِمُوهُ مِن الْقُرْآنِ فَغَلِظُوا فِي فَهْمِهِ، وَمَقْصُودُهُم اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لَيْسُوا زَنَادِقَةً.
وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ أَصْلُ مَقْصُودِهِمْ تَعْظِيمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُلَ، ويتَّبِعُونَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ.
فَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَمْثَالُهُ لَمْ يَكُن أَصْلُ مَقْصُودِهِمْ مُعَانَدَةَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - كَاَلَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ.
وَكَذَلِكَ الْإِرْجَاءُ إنَّمَا أَحْدَثَهُ قَوْمٌ قَصْدُهُم جَعْلُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كُلِّهِمْ مُؤمِنِينَ لَيْسُوا كُفَّارًا، قَابَلُوا الْخَوَارجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ، فَصَارُوا فِي طَرَفٍ آخَرَ.
وَكَذَلِكَ التَّشَيُّع الْمُتَوَسِّطُ -الَّذِي مَضْمُونُهُ تَفْضِيلُ عَلِيٍّ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَنَحْو ذَلِكَ- لَمْ يَكُن هَذَا مِن إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ، بِخِلَافِ دَعْوَى النَّصِّ فِيهِ وَالْعِصْمَةِ، فَإِنَّ الَّذِي ابْتَاَع ذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا.
وَأَمَّا مَن يَقُولُ بِبَعْضِ التَّجَهُّم كَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، الَّذِينَ يَتَدَيَّنُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، فَهَؤُلَاءِ مِن أمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِلَا رَيْبٍ.
وَكَذَلِكَ مَن هُوَ خَيْرٌ مِنْهُم كَالْكُلَّابِيَة والكَرَّامِيَة. ١٧/ ٤٤٤ - ٤٤٨
* * *
(دُخُولُ الْجِنِّ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ، ومُعَالَجَةُ الْمَصْرُوعِ بالرُّقَي وَالتَّعَوُّذَاتِ)
٧٤٠ - أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ كالجبائي وَأَبِي بَكرٍ الرازي (١) وَغَيْرِهِمَا دُخُولَ الْجِنِّ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ، وَلَمْ يُنْكِرُوا وُجُودَ الْجِنِّ.
(١) محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، يكنى بأبي بكر الرازي؛ كان من الأطباء الفارسيين المشهورين، وقد قام بالكتابة في مجال الأديان، وانتقد بعضها في حياته.