يُكَفِّرُونَ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ؛ مِثْل الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَيزْعُمُونَ أَنَّهُم هُم الْمُومِنُونَ وَمَن سِوَاهُم كَافِرٌ، وَيُكَفِّرُونَ مَن يَقُولُ: إنَّ اللهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، أَو يُؤْمِنُ بِصِفَاتِ اللهِ وَقُدْرَتهِ الْكَامِلَةِ، وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ، وُيكَفِّرُونَ مَن خَالَفَهُم فِي بِدَعِهِم الَّتِي هُم عَلَيْهَا.
فَإِنَّهُم يَمْسَحُونَ الْقَدَمَيْنِ وَلَا يَمْسَحُونَ عَلَى الْخُفِّ، ويُؤَخِّرُونَ الْفُطُورَ وَالصَّلَاةَ إلَى طُلُوعِ النَّجْمِ، وَيجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِن غَيْرِ عُذْرٍ، وَيقْنُتُونَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ويُحَرِّمُونَ الْفُقَّاعَ وَذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَبَائِحَ مَن خَالَفَهُم مِن الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُم عِنْدَهُم كُفَّارٌ، وَيَقُولُونَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - أَقْوَالًا عَظِيمَةً، إلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ.
فَقَاتَلَهُم الْمُسْلِمُونَ بِأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
فَإِذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ قَد انْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ مَن مَرَقَ مِنْهُ مَعَ عِبَادَتِهِ الْعَظِيمَةِ، حَتَّى أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقِتَالِهِمْ: فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ إلَى الْإِسْلَامِ أَو السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ قَد يَمْرُقُ أَيْضًا مِن الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، حَتَّى يَدَّعِيَ السُّنَّةَ مَن لَيْسَ مِن أَهْلِهَا بَل قَد مَرَقَ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِأَسْبَاب:
أ - مِنْهَا: الْغُلُوُّ الَّذِي ذَمَّهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} النساء: ١٧١، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكُمْ وَالْغُلوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ" (١).
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
ب - وَمِنْهَا: التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.
ج - وَمِنْهَا: أَحَادِيثُ تُرْوَى عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ كَذِبٌ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ
(١) رواه النسائي (٣٠٥٧)، وابن ماجه (٣٠٢٩)، وأحمد (١٨٥١)، وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي.