وَهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَيْسُوا فُسَّاقًا بَل هُم عُدُولٌ.
ب - وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَالْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ لَيْسَ كَقِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَن جُمْهُورِ الْأئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ فِي اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كمَالِك وَغَيْرِهِ، وَمَذْهَبِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَإِنَّ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ فَرَّق بَيْنَ هَذَا وَهَذَا. وَسِيرَةُ عَلِيٍّ -رضي الله عنه - تُفَرّق بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْخَوَارِجَ بِنَصِّ رَسُولِ اللهِ وَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ.
وَأمَّا الْقِتَالُ يَوْمَ صفين فَقَد ظَهَرَ مِنْهُ مِن كَرَاهَتِهِ وَالذَّمِّ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ، وَقَالَ فِي أَهْلِ الْجَمَلِ وَغَيْرِهِمْ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا طَهَّرَهُم السَّيْفُ، وَصَلَّى عَلَى قَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ. ٢٨/ ٥١٣ - ٥١٦
٧٨٣ - إِنَّ الْأمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ: عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد، وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ.
وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأولَى:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُم بُغَاةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُم كُفارٌ كالْمُرْتَدِّينَ، يَجُوزُ قَتْلُهُم ابْتِدَاءً، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ، وَاتِّبُاعُ مُدْبِرِهِمْ، وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُم اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
كَمَا أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلُوا الْإِمَامَ عَلَيْهَا هَل يَكْفُرُونَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قِتَالَ الصِّدِّيقِ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ وَقِتَالَ عَلِيٍّ لِلْخَوَارجِ: لَيْسَ مِثْل الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وصفين.