لبث هنيهة هو والرجال لينصرف النساء أولًا؛ لئلا يختلط الرجال والنساء.
وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزّاب ينزلون دارًا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين، وهذا كله؛ لأنَّ اختلاط أحدِ المصنفين بالآخر سببُ الفتنة؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب، وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة لعدم ما يمنعه. الاستقامة ٢٦٠
٧٩٢ - كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَارَ لَا يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ، وَلَا يُبْصِرُ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ: كَانَ ذَلِكَ مَرضًا مُؤلِمًا لَهُ، يَفُوتُهُ مِن الْمَصَالِحِ وَيحْصُلُ لَهُ مِن الْمَضَارِّ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يُبْصِرْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِقَلْبِهِ الْحَقَّ مِن الْبَاطِلِ، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَرِّ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، كَانَ ذَلِكَ مِن أَعْظَم أَمْرَاضِ قَلْبهِ وَأَلَمِهِ. ١٠/ ١٤١
٧٩٣ - أَصْلُ ضَلَالِ مَن ضَلَّ: هُوَ بِتَقْدِيمِ قِيَاسِهِ عَلَى النَّصِّ الْمُنَزَّلِ مِن عِنْدِ اللهِ، وَاخْتِيَارِهِ الْهَوَى عَلَى اتّبَاعِ أَمْرِ اللهِ، فَإِنَّ الذَّوْقَ وَالْوَجْدَ وَنَحْو ذَلِكَ هُوَ بِحَسَبِ مَا يُحِبُّهُ الْعَبْدُ، فَكُلُّ مُحِبِّ لَهُ ذَوْقٌ وَوَجْدٌ بِحَسَبِ مَحَبَّتِهِ.
فَأَهْلُ الْإِيمَانِ لَهُم مِن الذَّوْقِ وَالْوَجْدِ مِثْلُ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ" (١).
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "ذَاقَ طَعْمَ الإيمَانِ مَن رَضِيَ بِاللهِ رَبًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمحَمَّد نَبِيًّا" (٢).
وَأَمَّا أَهْلُ الْكُفْرِ وَالْبِدَع وَالشَّهَوَاتِ فَكُلٌّ بِحَسَبِهِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة: مَا
(١) رواه البخاري (١٦)، ومسلم (٤٣).
(٢) رواه مسلم (٣٤).