وَإِن كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: مَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ مِن الزِّيَادَاتِ لَا يُنَافِي هَذَا -وَإِن كَانَ هَذَا أَصَحَّ-؛ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُون عِنْدَ التَّنَافِي، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ بِشَيءٍ، وَأَخْبَرَ فِي الْآخَرِ بِزِيَادَةٍ أُخْرَى لَا تُنَافِيهَا: كَانَت تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرٍ مُسْتَقِل، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِن الزّيَادَةِ فِي النَّصِّ: هَل هِيَ نَسْخٌ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْكامٍ الَّتِي هِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْإِبَاحَةُ وَتَوَابِعُهَا؛ مِثْلُ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} النور: ١٢ وَقَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ" (١): فَهُنَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَل هَذِهِ الزِّيَادَةُ نَسْخٌ لِقَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}؟ مَعَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا زِيادَةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي الْأَخْبَارِ الْمَحْضَةِ: فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِف الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ، وَأَنَّهُ لَا تُرَدُّ الزِّيَادَةُ إذَا لَمْ تُنَافِ الْمَزِيدَ.
فَإِنَّ رَجلًا لَو قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا عَاقِلًا، أَو عَالِمًا: لَمْ يَكُن بَيْنَ الْكلَامَيْنِ مُنَافَاةٌ.
فَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَالتَّجْرِيدِ وَالزِّيَادَةِ: فِي الْأُمُورِ الطَّلَبِيَّةِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْخَبَرِيَّةِ.
وَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِن ازْدِيَادِ وُجُوهِهِمْ حُسْنًا وَجَمَالًا: لَا يَقْتَضِي انْحِصَارَ ذَلِكَ فِي الرِّيحِ؛ فَإِنَ أَزْوَاجَهُم قَد ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، وَلَمْ يَشْرَكُوهُم فِي الرِّيحِ؛ بَل يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي الرِّيحِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا حَصَلَ لَهُم قَبْلَ ذَلِكَ، ويجُوز أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا مِن بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ سَبَبَ الِازْدِيَادِ رُؤْيةُ اللهِ تَعَالَى مَعَ مَا اقْتَرَنَ بِهَا.
(١) رواه البخاري (٢٦٤٩)، ومسلم (١٦٩٠).