أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢)} الانشقاق: ٦ - ١٢.
وَقَد تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْكُفَّارِ: هَل يَرَوْنَ رَبَّهُم مَرَّةً ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ، أَمْ لَا يَرَوْنَهُ بِحَال تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} المطففين: ١٥، وَلأنَّ الرُّؤَيةَ أَعْظَمُ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، وَالْكُفَّارُ لَا حَظَّ لَهُم فِي ذَلِكَ؟
وَقَالَتْ طَوَائِفُ مِن أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ: بَل يَرَوْنَهُ ثُمَّ يَحْتَجِبُ؛ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي فِي "الصَّحِيحِ" وَغَيْرِهِ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
قَالُوا: وَقَوْلُهُ: {لَمَحْجُوبُونَ} يُشْعِرُ بِأَنَّهُم عَايَنُوا ثُمَّ حُجِبُوا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَعُلِمَ أَنَّ الْحَجْبَ كَانَ يَوْمئِذٍ، فَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَجْبِ بَعْدَ الرُّؤيَةِ.
قَالُوا: وَرُؤيَةُ الْكُفَّارِ لَيْسَتْ كَرَامَة وَلَا نَعِيمًا؛ إذ اللِّقَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى لِقَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ، وَلقَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْعَذَاب، فَهَكَذَا الرُّؤيَةُ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا اللِّقَاءُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هرَيْرَة أَنَّهُ يَتَجَلَّى لَهُم فِي الْقِيَامَةِ مَرَّةً لِلْمُؤمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بَعْدَ مَا تَجَلَّى لَهُم أَوَّلَ مَرَّةٍ، ويسْجُدُ الْمُؤْمِنُونَ دُونَ الْمُنَافِقِينَ. ٦/ ٤٦١ - ٤٦٩
٨٨٣ - الْأَقْوَالُ الثلَاثَةُ فِي رُؤيَةِ الْكُفَّارِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُم بِحَال، لَا الْمُظْهِرُ لِلْكُفْرِ وَلَا الْمُسِرُّ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
الثَّاني: أَنَّهُ يَرَاهُ مَن أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِن مُؤمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغَبَرَاتٍ