بِهِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ فِي ذَلِكَ الِاشْتِكاءُ إلَى الْمَخْلُوقِ، وَلَقَد قَالَ يَعْقُوبُ عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيل} يوسف: ١٨، وَقَالَ: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه} يوسف: ٨٦. ٢٤/ ٢٨٤
٩٨٣ - فِي الصَّبْرِ: احْتِمَالُ الْأَذَى، وَكَظْمُ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوُ عَن النَّاسِ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى، وَتْرُك الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)} هود: ٩، ١٠. ٢٨/ ٣٦٣
٩٨٤ - إذا اعتبر العبدُ الدينَ كلَّه رآه يَرجِعُ بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر أربعة أقسام:
صبر على الطاعة حتى يفعلَها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمورَ به إلّا بعد صبرٍ ومصابرةٍ، ومجاهدةٍ لعدوّه الظاهر والباطن.
النوع الثاني: صبرٌ عن المنهي حتى لا يفعلَه، فإنّ النفسَ ودواعيها وتزيين الشيطان وقُرَناء السوء تأمرُه بالمعصية.
النوع الثالث: الصبر على ما يُصِيبُه بغير اختيارِه من المصائب، وهي نوعان:
نوع لا اختيارَ للخلقِ فيه؛ كالأمراضِ وغيرِها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها؛ لأن العبْدَ يشهدُ فيها قضاءَ اللهِ وقدرَه، وأنه لا مدخلَ للناس فيها، فيصبر إمّا اضطرارًا وإمّا اختيارًا، فإن فتحَ الله على قلبه بابَ الفكرةِ في فوائدِها، وما في حَشوِها من النِّعَم والألطاف، انتقلَ من الصبر عليها إلى الشكر لها والرضا بها، فانقلبت حينئذٍ في حقه نعمةً.
النوع الرابع: ما يحصل له بفعل الناس في ماله أو عِرضِه أو نفسِه، فهذا النوع يَصعُب الصبرُ عليه جدًّا؛ لأنّ النفس تستشعِرُ المُؤذيَ لها، وهي تكره