وَأَمَّا مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ؛ وَلهَذَا يَجبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُومَ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَى هَذَا، وَقَد تَقَسَّطَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى الأمَّةِ بِحَسَبِ ذَلِكَ تَارَةً، وَبِحَسَبِ غَيْرِهِ أُخْرَى؛ فَقَد يَدْعُو هَذَا إلَى اعْتِقَادِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا إلَى عَمَلٍ ظَاهِرٍ وَاجِبٍ، وَهَذَا إلَى عَمَلٍ بَاطِنٍ وَاجِبٍ.
فَتَنَوُّعُ الدَّعْوَةِ يَكُونُ فِي الْوُجُوبِ تَارَةً وَفِي الْوُقُوعِ أخْرَى.
وَقَد تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ نَفْسَهَا أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَن الْمُنْكَرِ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ طَالِبٌ مُسْتَدْعٍ مُقْتَصٍ لِمَا دُعِيَ إلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ الْأَمْرُ بِهِ.
وَالْقِيَامُ بِالْوَاجِبَاتِ مِن الدَّعْوَةِ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا يَحْتَاجُ إلَى شُرُوطٍ يُقَامُ بِهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "يَنْبَغِي لِمَن أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَن الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِيمَا يَأَمُرُ بِهِ فَقِيهًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ رَفِيقًا فِيمَا يَأْمُرُبِهِ رَفِيقًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ حَلِيمًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَلِيمًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ".
فَالْفِقْهُ قَبْلَ الْأَمْرِ؛ لِيَعرفَ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرَ الْمُنْكَرَ.
وَالرِّفْقُ عِنْدَ الْأَمْرِ؛ ليَسْلُكَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ.
وَالْحِلْمُ بَعْدَ الْأَمْرِ؛ لِيَصْبِرَ عَلَى أَذَى الْمَأمُورِ الْمَنْهِيِّ، فَإِنَّهُ كثِيرًا مَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَذَى بِذَلِكَ. ١٥/ ١٦٢ - ١٦٧
٩٨٩ - الْفَقِيهُ كُل الْفَقِيهِ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَيسُ النَّاسَ مِن رَحْمَةِ اللهِ، وَلَا يُجَرِّئُهُم عَلَى مَعَاصِي اللهِ. ١٥/ ٤٠٥
٩٩٠ - الْقَلْبُ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَحْقِيقُ هَذَا تَحْقِيقُ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ.
وَمِنَ الْمَحَبَّةِ: الدَّعْوَةُ إلَى اللهِ (١)، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا جَاءَت
(١) أي: من المحبة لله تعالى: أنْ تدعو الناس إليه، وتنشر كلامه وما يُحبه بينهم، فمن أحبّ أحدًا أخبر الناس بصفاته وأحواله، ولله المثل الأعلى، فإذا كنت تُحبه فأخبرهم عنه، وبين لهم ما جاء به، وعرّفهم بأسمائه وصفاتِه.