أحدهما: كراهة للنعمة عليه مطلقًا، فهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه، فيكون ذلك مرضٌ في قلبه، ويلتذ بزوال النعمة عنه، وإن لم يحصل له نفع بزوالها.
والنوع الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه، فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة، وقد سماه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حسدًا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "لا حسد إِلَّا في اثنتين: رجل أتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق".
فإن قيل: إذًا لم سمي حسدًا وإنما أحب أن ينعم اللّه عليه؟
قيل: مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يتفضل عليه، ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك، فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغير كان حسدًا؛ لأنه كراهة تتبعها محبة، وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس، فهذا ليس عنده من الحسد شيء.
ولهذا يُبْتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني، وقد تسمى المنافسة، فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب، كلاهما يطلب أن يأخذه، وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر، كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر.
والتنافس ليس مذمومًا مطلقًا، بل هو محمود في الخير، قال تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} المطففين: ٢٣ - ٢٦.
والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم؛ فلهذا لم يذكره، وإن