كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤)} التوبة: ٥٤، فَهَذِهِ حَالُ مَن أَنْفَقَ كَارِهًا، فَكَيْفَ بِمَن تَرَكَ النَّفَقَةَ رَأْسًا؟ ٢٨/ ٤٣٩
١٠٣٧ - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِن حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ" (١)، فَإِذَا
خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنيهِ نَقَصَ مِن حُسْنِ إسْلَامِهِ. ٧/ ٥٠
١٠٣٨ - لِمَاذَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مِن الْمُطَفِّفِينَ (٢): لَا يَحْتَجُّ لِغَيْرِهِ كَمَا يَحْتَجُّ لِنَفْسِهِ؟ وَلَا يَقْبَلُ لِنَفْسِهِ مَا يَقْبَلُهُ لِغَيْرِهِ؟ ٢٤/ ٨٢
١٠٣٩ - كَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ الْوَرَعُ الْفَاسِدُ بِالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ؛ فَإنَّ كِلَاهُمَا فِيهِ تَرْكٌ، فَيَشْتَبِهُ تَرْكُ الْفَسَادِ لِخَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا يُؤمَرُ بِهِ مِن الْجِهَادِ وَالنَّفَقَةِ جُبْنًا وَبُخْلًا.
كَذَلِكَ قَد يَتْرُكٌ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ ظَنًّا أَو إظْهَارًا أَنَّهُ وَرَعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كِبْرٌ وَإِرَادَةٌ لِلْعُلُوِّ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ" (٣): كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ كَامِلَةٌ؛ فَإِنَّ النِّيَّةَ لِلْعَمَلِ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ (٤)، وَإِلَّا فَكَلُّ وَاحِدٍ مِن السَّاجِدِ للّهِ وَالسَّاجِدِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ قَد وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأرْضِ، فَصُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، ثُمَّ هَذَا أَقْرَبُ الْخَلْقِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، وَهَذَا أَبْعَدُ الْخَلْقِ عَن اللّهِ. ٢٨/ ٢٩١
١٠٤٠ - كُلُّ آدَمِيٍّ قَهَرَ آدمِيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَنَعَهُ عَن التصَرُّفِ: فَالْقَاهِرُ يُشبِهُ الْآسِرَ، وَالْمَقْهُورُ يُشْبِة الْأَسِيرَ، وَكَذَلِكَ الْقَهْرُ بِحَقِّ أَسِيرٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْغَرِيمِ
(١) رواه الترمذي (٢٣١٧)، وابن ماجه (٣٩٧٦)، ومالك (٢٦٢٨)، وأحمد (١٧٣٧)، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلا من هذا الوجه.
(٢) الْمُطَفِّفِونَ: هم الذين يَنقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء، وأصل ذلك من الشيء الطفيف، وهو القليل الحقير، والمطفِّف: المقلِّل حقّ صاحب الحقّ عما له من الوفاء والتمام. يُنظر: تفسير الطبري (٢٤/ ٢٧٧).
(٣) رواه البخاري (١).
(٤) فكما أنّ الجسد لا يصلح ولا يُنتفع به بلا روح، فكذلك العمل لا يصلح ولا يُنتفع به بلا نيّة.