واللّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِن ذَلِكَ عَن نَبِيٍّ مِن الْأنْبِيَاءِ إلَّا مَقْرُونًا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ؛ كَقَوْلِ آدمَ وَزَوْجَتِهِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف: ٢٣.
وَأمَّا يُوسُفُ الصِّدِّيقُ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ عَنْهُ ذَنْبا فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُر اللّهُ عَنْهُ مَا يُنَالسِبُ الذَّنْبَ مِن الِاسْتِغْفَارِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} يوسف: ٢٤ فَالْهَمُّ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ "نَوْعَانِ" كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ، وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" (١) عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا للهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ.
ويُوسُفُ -صلى الله عليه وسلم- هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ للهِ، وَلذَلِكَ صَرَفَ اللّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِلذَّنْبِ وَهُوَ الْهَمُّ، وَعَارَضَهُ الْإِخْلَاصُ الْمُوجِبُ لِانْصِرَافِ الْقَلْبِ عَن الذَّنْبِ للهِ.
فَيُوسُفُ -عَلِيْهِ السَّلَام- لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا حَسَنَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا.
وَأمَّا مَا يُنْقَلُ: مِن أَنَّهُ حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَجَلَسَ مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِن الْمَرْأةِ، وَأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى يَدِهِ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ فَكُلُّة مِمَّا لَمْ يُخْبِرِ اللهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ، وَمَا لَمْ يَكُن كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هوَ مَأْخُوذٌ عَن الْيَهُودِ الَّذِينَ هُم مِن أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْحًا فِيهِمْ، وَكُلُّ مَن نَقَلَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ فَعَنْهُم نَقَلَهُ، لَمْ يَنْقُلْ مِن ذَلِكَ أَحَدٌ عَن نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- حَرْفًا وَاحِدًا.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} يوسف: ٥٣ فَمِن كَلَامِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ كَمَا يَدُلُّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ دِلَالَةً بَيِّنَةً لَا يَرْتَابُ فِيهَا مَن تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ. ١٠/ ٢٨٩ - ٢٩٨
(١) مسلم (١٢٨).