وَإِلَّا فَصَاحِبُ الْهَوَى إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِك يَضُرُّهُ ضَرَرًا رَاجِحًا: انْصَرَفَتْ نَفْسُهُ عَنْهُ بِالطَّبْعِ.
فَإِنَّ اللّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّفْسِ حُبًّا لِمَا يَنْفَعُهَا، وَبُغْضًا لِمَا يَضُرُّهَا، فَلَا تَفْعَلُ مَا تَجْزِمُ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا ضَرَرًا رَاجِحًا؛ بَل مَتَى فَعَلَتْهُ كَانَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ.
وَلهَذَا يُوصَفُ هَذَا بِأَنَّهُ عَاقِلٌ، وَذُو نُهًى، وَذُو حِجًا.
وَلهَذَا كَانَ الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ مِن الشَّيْطَانِ، لَا مِن مُجَرَّدِ النَّفْسِ (١)، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُزَيِّنُ لَهَا السَّيِّئَاتِ، وَيَالمُرُهَا بِهَا، وَيَذْكُرُ لَهَا مَا فِيهَا مِن الْمَحَاسِنِ، الَّتِي هِيَ مَنَافِعُ لَا مَضَارَّ.
فَأَصْلُ مَا يُوقِعُ النَّاسَ فِي السَّيِّئَاتِ: الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا تَضُرُّهُم ضَرَرًا رَاجِحًا، أَو ظَنُّ أَنَّهَا تَنْفَعُهُم نَفْعًا رَاجِحًا.
وَلهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم -: كُلُّ مَن عَصَى اللهَ فَهُوَ جَاهِلٌ. وَفَسَّرُوا بِذَلِك قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} النساء: ١٧.
وَعَن قتادة قَالَ: "أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنَّ كُلَّ مَن عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ فِي جَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَ أَو لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ مَن عَصَى اللّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ".
وَكَذَلِك قَالَ التَّابِعُونَ وَمَن بَعْدَهُمْ (٢).
(١) فمخالفة هوى النفس ليس محمودًا دائمًا، فقد يزين الشيطان للإنسان التشدد والتنطع، أو المبالغة في الزهد وترك الناس، فيفعل ذلك وهو يظن أنه يُخالف هواه، وأن عمله غاية الصلاح! وأساس ذلك الجهل، فلو كان عالمًا بالله وبدينه ما اتبع خطوات الشيطان.
فالعلم هو أساس الهداية والثبات، والجهل أساس الضلال والانحراف.
(٢) وذلك أن كل أحد يعصي الله تعالى، أو يقصر في الطاعة والعمل الصالح والعلم النافع: فإنما هو من نقص علمه بمقام ربه، وحقه عليه، وقلة معرفته بحاجته للعمل الصالح في دينه ودنياه وآخرته.