الدَّاءِ الَّذِي تَرَامَى بِهِ إلَى الْهَلَاكِ وَالْعَطَبِ، وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ أَلَمَ الْعِلَاجِ النَّافِعِ أَيْسَرُ وَأَخَفُّ مِن أَلَمِ الْمَرَضِ الْبَاقِي.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ كُلَّهَا أَدْوِية نَافِعَةٌ، يُصْلِحُ اللّهُ بِهَا مَرَضَ الْقُلُوبِ، وَهِيَ مِن رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ وَرَأفَتِهِ بِهِمُ الدَّاخِلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} الأنبياء: ١٠٧.
فَمَن تَرَكَ هَذ الرَّحْمَةَ النَّافِعَةَ لِرَأفَةٍ يَجِدُهَا بِالْمَرِيضِ: فَهُوَ الَّذِي أَعَانَ عَلَى عَذَابِهِ وَهَلَاكِهِ، وَإِن كَانَ لَا يُرِيدُ إلَّا الْخَيْرَ، إذ هُوَ فِي ذَلِكَ جَاهِلٌ أَحْمَق، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النّسَاءِ وَالرِّجَالِ الْجُهَّالِ بِمَرْضَاهُمْ، وَبِمَن يُرَبُّونَهُ مِن أَوْلَادِهِمْ وَغِلْمَانِهِمْ وَغَيْرِهِمْ فِي تَرْكِ تَأْدِيبِهِم وَعُقُوبَتِهِمْ عَلَى مَا يَأْتُونَهُ مِن الشَّرِّ، وَيَتْرُكُونَهُ مِن الْخَيْرِ؛ رَأفَةً بِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ فَسَادِهِمْ وَعَدَاوَتهِمْ وَهَلَاكِهِمْ. ١٥/ ٢٨٩ - ٢٩٠
١١٣٧ - رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِن الرِّجَالِ، والمترجلات مِن النِّسَاءِ وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُم مِن بُيُوتِكُمْ" (١).
وَلَمْ يَكُونُوا يُرْمَوْنَ بِالْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى، إنَّمَا كَانَ تَخْنِيثُهُم وَتَأْنِيثُهُم لِينًا فِي الْقَوْلِ، وَخِضَابًا فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ كَخِضَابِ النِّسَاءِ وَلَعِبًا كَلَعِبِهِنَّ.
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَد أَمَرَ بِإِخْرَاجِ مِثْل هَؤُلَاءِ مِن الْبُيُوتِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُمَكِّنُ الرِّجَالَ مِن نَفْسِهِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، وَبِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِن مَحَاسِنِهِ، وَفِعْلِ الْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى بِهِ: شَرٌّ مِن هَؤُلَاءِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالنَّفْيِ مِن بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُمْ.
وَلهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي نَفْيِ الْمُحَارِبِ مِن الْأَرْضِ: هَل هُوَ طَرْدُهُ بِحَيْثُ لَا يَأْوِي فِي بَلَدٍ، أَو حَبْسُهُ، أَو بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِن هَذَا وَهَذَا؟
(١) البخاري (٥٨٨٦) و (٦٨٣٤).