فَأَجَابَ: أَمَّا رُؤْيَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي الطَّوَافِ فَهَذَا كَانَ رُؤَيا مَنَامٍ، لَمْ يَكُن لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؛ كَذَلِكَ جَاءَ مُفَسَّرًا، كَمَا رَأَى الْمَسِيحَ أَيْضًا وَرَأَى الدَّجَّالَ.
وَأَمَّا رُؤَيتُهُ وَرُويَةُ غَيْرِهِ مِن الْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فِي السَّمَاءِ .. فَهَذَا رَأَى أَرْوَاحَهُم مُصَوَّرَة فِي صُوَرِ أَبْدَانِهِمْ.
وَقَد قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَعَلَّهُ رَأَى نَفْسَ الْأَجْسَادِ الْمَدْفُونَةِ فِي الْقُبُورِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء.
لَكِنَّ عِيسَى صَعِدَ إلَى السَّمَاءِ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ، وَكَذَلِكَ قَد قِيلَ فِي إدْرِيسَ.
وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَغَيْرُهُمَا فَهُم مَدْفُونُونَ فِي الْأَرْضِ.
وَالْمَسِيحُ -صلى الله عليه وسلم وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ- لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيّ دِمَشْقَ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ؛ وَلهَذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِن يُوسُفَ وَإِدْرِيسَ وَهَارُونَ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ النُّزُولَ إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَآدَمُ كَانَ فِي سمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّ نَسَمَ بَنِيهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ: أَرْوَاحُ السُّعَدَاءِ، وَالْأَشْقِيَاءُ لَا تُفَتَّحُ لَهُم أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، فَلَا بُدَّ إذَا عُرضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُمْ.
وَأَمَّا كَونهُ رَأَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَرَآه فِي السَّمَاءِ أَيْضًا: فَهَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ أَمْرَ الْأَرْوَاحِ مِن جِنْس أَمْرِ الْمَلَائِكَةِ، فِي اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ تَصْعَدُ وَتَهْبِطُ كَالْمَلَكِ، لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالْبَدَنِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُه إِلا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (١) يُرِيدُ بِهِ الْعَمَلَ الَّذِي
(١) رواه مسلم (١٦٣١).