وذكروا أن يهودياً لعله قدري أو من هؤلاء الجبرية جاء إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، ورفع إليه أبياتاً يقول في أولها:
أيا علماء الدين ذمي دينكم تحير دلّوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ولم يرضه مني فما وجه حيلتي
دعاني وسدّ الباب دوني فهل إلى دخولي سبيل بيّنوا لي قضيتي
فيقول: هو بمنزلة من دعاني وسد الباب دوني ولا مني على ذلك.
فأجاب شيخ الإسلام نظماً وارتجالاً وجعل يكتب وهو جالس، ويعتقدون أنه يكتب نثراً وإذا هو يكتب نظماً في المنظومة التائية الموجودة في المجلد الثامن من مجموع الفتاوى والتي أولها:
سؤالك يا هذا سؤال معاندٍ مخاصم رب العرش باري البرية
ويدعى خصوم الله يوم معادهم إلى النار طُراً معشر القدرية
سواءٌ نفوه أو سعوا ليخاصموا به الله أو ماروا به في الخليقة
وقد زادت المنظومة على مائة وثلاثين بيتاً، أو نحوها، وبين له: إنك مخصوم، وإنك تقر على نفسك بأنك مخصوم، وإن الذين يحتجون بالقدر متناقضون، فهم يقولون هذه المقالات حتى يحتجوا على فعل المعاصي بوجودها، وأنشد ابن القيم في بعض كتبه قول بعضهم:
وضعوا اللحم للبزا ة على ذروتي عدن
ثم لاموا البزاة إذ أطلقوا لهنّ الرسن
لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن
يقول: إنهم يحتجون بالقدر كما يحتج الزاني مثلاً بأنهم دفعوه إلى الزنا، حيث إن النساء تكشفت أمامه فلم يملك نفسه أن اندفع؛ يقول: "لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن) هكذا يحتجون، ولكن لا حجة لهم في ذلك لأنهم متناقضون.