والابن يبكي حتى استنقع الدموع تحت خدّه ثم إنه وضع السكين على حَلقه فلم يحِك (١) السكين.

قال السدي: ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه، قالوا: فقال الابن عند ذلك: كُبَّني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني، وأدركْتك رِقةٌ تحول بينك وبين أمر الله عز وجل وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم: مَهْ (٢)، قد صدقتَ الرؤيا هذِه ذبيحتك فداءً لابنك فاذبحها دونه فنظر إبراهيم عليه السلام فإذا هو بجبريل عليه السلام معه كبش أقرنُ (٣) أملح (٤) فكبّر جبريل عليه السلام وكبّر الكبش وكبر إبراهيم عليه السلام وكبّر ابنه عليه السلام فأخذ إبراهيم الكبش وأتى به المنحر مِنْ مِنًى فذبحه.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: فو الذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنَيْه في ميزاب الكعبة قد وحُش يعني: يبس.

قال السدي: فلما أخذ إبراهيم عليه السلام الكبش خلّى عن ابنه وأكبّ عليه وهو يقبّله ويقول: يا بُنّي وُهبِتَ لي. ثم رجع إلى سارة - رضي الله عنها -

(١) أي: لم تقطع. "لسان العرب" لابن منظور ١٠/ ٤١٨ (حوك).
(٢) مَهْ: اسم فعل وقعت موقع الجملة الفعلية، معناها: اكْفُف.
انظر: كتاب "مسائل خلافية في النحو" لأبي البقاء الكعبري (ص ٧٠)، "أوضح المسالك" لابن هشام ٤/ ٨١ - ٨٢.
(٣) كَبَشٌ أَقْرَنُ: كبير القرنين. "لسان العرب" لابن منظور ١٣/ ٣٣١ (قرن).
(٤) أَمْلَح: أي سمين. "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ٦٠٤ (ملح).