ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الليل نصفه إلا قليلاً أو الزيادة عليه، فقال: (أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) الآية.
فخفف فقال: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)
قرأ إلى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب اللَّه نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فاحتمل قول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية، معنيين
أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً؛ لأنه أزيل به فرض غيرُه.
والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره، وذلك
لقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩) .
فاحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) :
أن يتهجد بغير الذي فُرضِ عليه، مما تيسر منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها: منسوخ بها استدلالاً بقول الله:
(فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه، وثلثه، وما تيسر.
ولسنا نحب لأحد تركَ أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصلياً به.
وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا.
أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن
عبيد الله - رضي الله عنه - يقول: جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته،