فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ مِنَ الشَّارِعِ عَلَى مَا وُجِدَ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَتَبُّعِ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِلَّا مَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ قَرَائِنُ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانٍ اخْتَرَعَهَا هُوَ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ. انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا لَا يُنَافِي مَا سَلَفَ فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ كَلِمَةً مِنْ غَرِيبِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ وَأُشْكِلَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا - أَيْ: بِالْعَرَبِيَّةِ - وَيَرْوِيَهَا عَلَى مَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ، كَمَا رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا.
تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ
تَفْسِيرُ الْغَرِيبِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ (وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ) ; أَيْ: الْغَرِيبَ، (بِـ) الْمَعْنَى (الْوَارِدِ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُفَسِّرًا لِذَلِكَ اللَّفْظِ ; (كَالدُّخِّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِيهَا الْفَتْحَ أَيْضًا، بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ; فَإِنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَهُ (بِالدُّخَّانِ) مَعَ كَوْنِهِ لُغَةً حَكَاهَا ابْنُ الدُّرَيْدِ وَابْنُ السَّيِّدِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ، قَالَ الشَّاعِرُ:
عِنْدَ رِوَاقِ الْبَيْتِ يَغْشَى الدُّخَّا
فِي الْقِصَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، (لِابْنِ صَائِدِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ: أَبِي عِمَارَةَ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ صَيَّادٍ أَيْضًا، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ الدَّجَّالُ. فَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ