الْمُرْسَلُ، فَذَاكَ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَهُوَ أَعْلَى مِنَ الْمُسْنَدِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ مِثْلُهُ؟ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - كَالطَّحَاوِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ - تَقْدِيمُ الْمَسْنَدِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالشُّهُودِ، يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ حَالًا مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْعَدَ وَأَتَمَّ مَعْرِفَةً، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عُدُولًا جَائِزِي الشَّهَادَةِ. انْتَهَى.
وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ أَعْلَى وَأَرْجَحُ مِنَ الْمُسْنَدِ، وَجَّهُوهُ بِأَنَّ مَنْ أَسْنَدَ، فَقَدْ أَحَالَكَ عَلَى إِسْنَادِهِ وَالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ رُوَاتِهِ وَالْبَحْثِ عَنْهُمْ، وَمَنْ أَرْسَلَ مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَإِمَامَتِهِ وَثِقَتِهِ، فَقَدْ قَطَعَ لَكَ بِصِحَّتِهِ، وَكَفَّاكَ النَّظَرَ فِيهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قِيلَ: إِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى الْإِرْسَالِ ضَعْفٌ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حِينَئِذٍ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ مُسْنَدٍ ضَعِيفٍ جَزْمًا.
وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ ثِقَةِ الْمُرْسَلِ، وَكَوْنِهِ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنِ الثِّقَاتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِبَارَةُ الثَّانِي: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ، إِذَا كَانَ مُرْسِلُهُ غَيْرَ مُتَحَرِّزٍ، بَلْ يُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ: لَمْ تَزَلِ الْأَئِمَّةُ يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ، إِذَا تَقَارَبَ عَصْرُ الْمُرْسِلِ وَالْمُرْسَلِ عَنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفِ الْمُرْسِلُ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ.
وَمِمَّنِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ مِنْ مُخَالِفِيهِمُ الشَّافِعِيُّ، فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْمُرْسَلِ الْمُعْتَضَدِ، وَلَكِنْ قَدْ تَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي صِحَّةِ نَقْلِ الِاتِّفَاقِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ قَبُولًا وَرَدًّا، قَالَ: لَكِنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا عَنْ جُمْهُورِهِمْ مَشْهُورٌ. انْتَهَى.