وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ.
وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي التَّضْيِيقِ، فَرَدَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ، كَمَا بَالَغَ مَنْ تَوَسَّعَ مِنْ أَهْلِ الطَّرَفِ الْآخَرِ، فَقَبِلَ مَرَاسِيلَ أَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَا قَبْلَهَا، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ رَدَّهُ، وَسَنُبَيِّنُ رَدَّ الْآخَرِ آخِرَ الْبَابِ، وَمَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ حُجَجِ الْأَوَّلِينَ مَرْدُودٌ.
أَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ، وَإِلَّا فَقَدْ وُجِدَ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَرْنَيْنِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْمُومَةُ، لَكِنْ بِقِلَّةٍ ; بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ فِيهِمْ وَاشْتُهِرَ.
وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَمِّهِ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنِّي لَأَسْمَعُ الْحَدِيثَ أَسْتَحْسِنُهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذِكْرِهِ إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْمَعَهُ سَامِعٌ فَيَقْتَدِيَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنِّي أَسْمَعُهُ مِنَ الرَّجُلِ لَا أَثِقُ بِهِ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ، أَوْ أَسْمَعُهُ مِنْ رَجُلٍ أَثِقُ بِهِ قَدْ حَدَّثَ بِهِ عَمَّنْ لَا أَثِقُ بِهِ.
وَهَذَا - كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ - أَيْ: زَمَانَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - كَانَ يُحَدِّثُ فِيهِ الثِّقَةُ وَغَيْرُهُ.
وَنَحْوُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: ذَكَرَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، فَقَالَ: أَبُو قِلَابَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَكِنْ عَمَّنْ ذَكَرَهُ أَبُو قِلَابَةَ.
وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ أَنَّ رَجُلَا حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: " أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرًا أَوْ صَلَّى إِلَيْهِ، فَقَدْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ ".
قَالَ عِمْرَانُ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: إِنَّ رَجُلًا ذَكَرَ عَنْكَ كَذَا، فَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: كُنْتُ أَحْسَبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ