بِهِ ; بِحَيْثُ قَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ حِبَّانَ: مَا رَأَيْتُ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ مَنْ يَحْفَظُ الصِّحَاحَ بِأَلْفَاظِهَا، وَيَقُومُ بِزِيَادَةِ كُلِّ لَفْظَةٍ زَادَ فِي الْخَبَرِ ثِقَةً، حَتَّى كَأَنَّ السُّنَنَ كُلَّهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ - غَيْرَهُ.
وَكَذَا كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ النَّيْسَابُورِيَّانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ ; كَأَبِي نُعَيْمِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيِّ مِمَّنِ اشْتُهِرَ بِمَعْرِفَةِ زِيَادَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُسْتَنْبَطُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الْمُتُونِ.
أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِي قَبُولِ الزِّيَادَةِ (وَاقْبَلْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ (زِيادَاتِ الثِّقَاتِ) مِنَ التَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مُطْلَقًا (مِنْهُمْ) أَيْ: مِنَ الثِّقَاتِ الرَّاوِينَ لِلْحَدِيثِ بِدُونِهَا، بِأَنْ رَوَاهُ أَحَدُهُمْ مَرَّةً نَاقِصًا وَمَرَّةً بِالزِّيَادَةِ.
(وَمَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ: مَنْ سِوَى الرَّاوِينَ بِدُونِهَا مِنَ الثِّقَاتِ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي اللَّفْظِ أَمِ الْمَعْنَى، تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا، غَيَّرَتِ الْحُكْمَ الثَّابِتَ أَمْ لَا، أَوْجَبَتْ نَقْصًا مِنْ أَحْكَامٍ ثَبَتَتْ بِخَبَرٍ آخَرَ أَمْ لَا، عُلِمَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا، كَثُرَ السَّاكِتُونَ عَنْهَا أَمْ لَا.
(فَ) ـهَذَا - كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ - هُوَ الَّذِي مَشَى (عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ) مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ ; كَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي مُصَنَّفَاتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَصَرُّفِ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَيَّدَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، فَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ عَدَدًا أَوْ وَاحِدًا أَحْفَظَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ حَافِظًا، وَلَوْ كَانَ صَدُوقًا فَلَا.