أَوَّلَهُمَا لَا وَجْهَ لَهُ ; إِذِ الْأَحْكَامُ مَحَلُّ التَّشَدُّدِ، فَقَبُولُهَا فِي غَيْرِهَا أَوْلَى، وَكَأَنَّهُ لَحَظَ الْحَاجَةَ فِي الْقَبُولِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا وَلَا لِمَا قَصَرَهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ حَاجَةً فِي الْجُمْلَةِ ; بِحَيْثُ صَارَا كَطَرَفَيْ نَقِيضٍ فِي التَّسَاهُلِ وَغَيْرِهِ .
وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَمَنْ وَافَقَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ السَّاكِتُونَ مِمَّنْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ.
وَخَرَّجَ شَيْخُنَا مِنْ تَفْرِقَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي مُقَدِّمَةِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ بَيْنَ الْمُحَدِّثِ وَالْفَقِيهِ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى التَّفْرِقَةَ أَيْضًا هُنَا بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، فَتُقْبَلُ مِنَ الْمُحَدِّثِ فِي السَّنَدِ لَا الْمَتْنِ، وَمِنَ الْفَقِيهِ عَكْسُهُ ; لِزِيَادَةِ اعْتِنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا قُبِلَ مِنْهُ، قَالَ: بَلْ سِيَاقُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَقِيلَ: لَا) تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مُطْلَقًا لَا مِمَّنْ رَوَاهُ نَاقِصًا، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ قَالُوا: لِأَنَّ تَرْكَ الْحُفَّاظِ لِنَقْلِهَا وَذَهَابَهُمْ عَنْ مَعْرِفَتِهَا يُوهِنُهَا وَيُضْعِفُ أَمْرَهَا، وَيَكُونُ مُعَارِضًا لَهَا، وَلَيْسَتْ كَالْحَدِيثِ الْمُسْتَقِلِّ ; إِذْ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي الْعَادَةِ سَمَاعُ وَاحِدٍ فَقَطْ لِلْحَدِيثِ مِنَ الرَّاوِي وَانْفِرَادُهُ بِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِيهَا سَمَاعُ الْجَمَاعَةِ لِحَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَذَهَابُ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَيْهِمْ وَنِسْيَانُهَا إِلَّا الْوَاحِدَ.
(وَقِيلَ: لَا) تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ (مِنْهُمْ) فَقَطْ ; أَيْ: مِمَّنْ رَوَاهُ بِدُونِهَا ثُمَّ رَوَاهُ بِهَا ; لِأَنَّ رِوَايَتَهُ لَهُ نَاقِصًا أَوْرَثَتْ شَكًّا فِي الزِّيَادَةِ، وَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ فِرْقَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.