وَالتَّوَارِيخِ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ أَلْفِ تَصْنِيفٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُنْكَرُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ طَيْلَسَانٌ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ، وَصَحِبَ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الزَّمَانِ، أَوْ مَنْ تَحَلَّى بِلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانٍ، أَوْ بِثِيَابٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ، فَحَصَّلَ تَدْرِيسَ حَدِيثٍ بِالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ مَلْعَبَةً لِلصِّبْيَانِ، لَا يَفْهَمُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جُزْءٍ وَلَا دِيوَانٍ، فَهَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مُحَدِّثٍ بَلْ وَلَا إِنْسَانٍ، وَإِنَّهُ مَعَ الْجَهَالَةِ آكِلُ حَرَامٍ، فَإِنِ اسْتَحَلَّهُ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَفْثَةُ مَصْدُورٍ، وَرَمْيَةُ مَعْذُورٍ، وَبِهَا يَتَسَلَّى الْقَائِمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتَحْقِيقِ هَذَا الشَّأْنِ، مَعَ قِلَّةِ الْأَعْوَانِ، وَكَثْرَةِ الْحَسَدِ وَالْخِذْلَانِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
مَعْنَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيْخَيْنِ بِشَرْطِهِ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالسَّبْرِ لِكِتَابَيْهِمَا، وَلِذَا اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ الْحَافِظُ فِي جُزْءٍ سَمِعْنَاهُ أَفْرَدَهُ لِشُرُوطِ السِّتَّةِ: (شَرْطُهُمَا أَنْ يُخَرِّجَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَى ثِقَةِ نَقَلَتِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَيَكُونَ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ.
فَإِنْ كَانَ لِلصَّحَابِيِّ رَاوِيَانِ فَصَاعِدًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ وَصَحَّ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ كَفَى، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثِقَةِ نَقَلَتِهِمَا قَدْ لَا يَخْدِشُ فِيهِ وُجُودُ حِكَايَةِ التَّضْعِيفِ فِي بَعْضِهِمْ مِمَّنْ قَبْلَهُمَا ; لِتَجْوِيزِ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَاهُ قَادِحًا، فَنَزَّلَا كَلَامَ الْجُمْهُورِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمَا مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الثِّقَاتِ) لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مُخَالَفَةُ الثِّقَاتِ لِمَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ، أَوْ أُكْثَرُ عَدَدًا مِنَ