(مُسْتَدْرَكِهِ) بِلَفْظِ: «آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: (عَلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي - أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا - فَمَنْ حَفِظَ شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْ بِهِ) » قَدْ يَشْهَدُ لَهُ.
وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْخَطِيبُ فِي (الْكِفَايَةِ) عَلَى وُجُوبِ التَّثَبُّتِ فِي الرِّوَايَةِ حَالَ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ يَرْوِي مَا لَا يَرْتَابُ فِي حِفْظِهِ، وَيَتَوَقَّفُ عَمَّا عَارَضَهُ الشَّكُّ فِيهِ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ عَقِبَ الْمَرْفُوعِ: (قَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ لَفْظَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: (يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ) . وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ: (فَمَنْ حَفِظَ شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْ بِهِ) قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِمَا لَمْ يَحْفَظْهُ) . انْتَهَى.
وَكَذَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ هُشَيْمٍ: مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْحَدِيثَ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ بِكِتَابٍ كَأَنَّهُ سِجِلُّ مُكَاتَبٍ. وَمِنْ ثَمَّ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - قَلَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ بِهَذَا مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ - كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - مِنْ مَذَاهِبِ الْمُتَشَدِّدِينَ الَّذِينَ أَفْرَطُوا وَبَايَنُوا بِصَنِيعِهِمُ الْمُتَسَاهِلِينَ الَّذِينَ فَرَّطُوا، بِحَيْثُ قَالُوا بِالرِّوَايَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِعْلَامِ وَالْمُنَاوَلَةِ الْمُجَرَّدَاتِ، وَمِنَ النُّسَخِ الَّتِي لَمْ تُقَابَلْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا بُسِطَ فِي مَحَالِّهِ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ كِتَابُهُ بِيَدِهِ أَمْ بِيَدِ ثِقَةٍ ضَابِطٍ، وَإِنِ اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - كَوْنَهُ بِيَدِهِ، كَمَا سَلَفَ فِي أَوَّلِ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ كِتَابُهُ عَنْ يَدِهِ أَمْ لَا، إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
وَسَوَاءٌ حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ ابْتِدَاءً