وَعِبَارَتُهُمَا مَعًا: وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يُخَالِفَ لَفْظَ الْمُمْلِي فِي التَّبْلِيغِ عَنْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ خَاصَّةً إِذَا كَانَ الرَّاوِي مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَحْكَامِ الرِّوَايَةِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ. إِلَى آخِرِهِ.
(مُبَلِّغًا) بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ لَفْظُ الْمُمْلِي، (أَوْ مُفْهِمَا) بِهِ مَنْ بَلَغَهُ عَلَى بُعْدٍ وَلَمْ يَتَفَهَّمْهُ، فَيَتَوَصَّلُ بِصَوْتِ الْمُسْتَمْلِي إِلَى تَفَهُّمِهِ وَتَحَقُّقِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحُكْمِ فِيمَنْ لَمْ يَسْمَعْ إِلَّا مِنَ الْمُسْتَمْلِي، دُونَ الْمُمْلِي فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ مِنَ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
آدَابُ مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ وَالِاسْتِمْلَاءِ :
(وَاسْتَحْسَنُوا) أَيْ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِمَّنْ تَصَدَّى لِلْإِمْلَاءِ (الْبَدْءَ) فِي مَجَالِسِهِمْ (بِ) قِرَاءَةِ (قَارِئٍ) هُوَ الْمُسْتَمْلِي كَمَا لِلْخَطِيبِ وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ، أَوِ الْمُمْلِي، كَمَا لِلرَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِمَا، (تَلَا) شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّعْيِينِ لَا يُنَافِي اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ.
وَعَيَّنَ الرَّافِعِيُّ وَالْخَطِيبُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْلُوُّ سُورَةً، زَادَ الرَّافِعِيُّ: خَفِيفَةً. قَالَ: وَيُخْفِيهَا فِي نَفْسِهِ. كَأَنَّهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إِلَى الْإِخْلَاصِ. وَاخْتَارَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِهِ سُورَةَ " الْأَعْلَى " لِذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ فِيهَا: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} الأعلى: ٦ وَقَوْلِهِ: فَذَكِّرْ. وَقَوْلِهِ: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الأعلى: ١٩ .
وَالْأَصْلُ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: (كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا اجْتَمَعُوا تَذَاكَرُوا الْعِلْمَ، وَقَرَءُوا سُورَةً) .
بَلْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي (رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ