ومِنهم مَن قال: إنَّ غزوةَ الخندقِ سابِقةٌ وتَبِعَتها ذاتُ الرِّقاعِ؛ وهو قولُ جماعةٍ؛ كالبخاريِّ وابنِ القيِّمِ وغيرِهما.
وقد ذكَرَ ابنُ إسحاقَ: أنَّ ذاتَ الرِّقَاعِ كانَتْ في السَّنَةِ الرابعةِ والخندقَ بعدَها في السَّنةِ الخامسةِ في شوَّالٍ مِنها، وأكثرُ مَن جاء مِن بَعدِهِ قال بقولِهِ.
وقد نَقَلَ البخاريُّ في "صحيحِه"، عن موسى بنِ عُقْبةَ؛ قال: كانَتْ غزوةُ الخَندقِ في شوَّالِ سنة أربعٍ (١)، وظاهرُ صنيعِ البخاريِّ الميلُ إلى قولِ ابنِ عُقبةَ، وعَضَدَهُ بعَرْضِ ابنِ عُمرَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أُحُدٍ وهو ابنُ أربعَ عَشْرةَ، ويومَ الخندَقِ وهو ابنُ خمسَ عَشْرةَ (٢)، فما بينَ أحُدٍ والخندَقِ إلَّا سنةٌ واحدةٌ، وقد كانتْ غزوةُ أحُدٍ سنةَ ثلاثٍ مِنَ الهجرةِ.
والأصحُّ: أنَّ الخندقَ سابقةٌ لذاتِ الرِّقَاع، والأسانيدُ الصحيحةُ دالَّةٌ على ذلك، وهي أوْلى بالأخذِ مِن قولِ ابنِ إسحاقَ، وقد جعَلَ البخاريُّ ذاتَ الرِّقاعِ بعدَ خَيْبَرَ؛ لأنَّ أبا موسى شَهِدَها وكان مُهاجِرًا إلى الحَبَشةِ ولم يَقدَمْ إلَّاَ بعدَ خيبرَ؛ حيث قال كما في "الصحيحِ": "فوافَقْنا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حينَ افتَتَحَ خيبرَ" (٣).
وفي "الصحيحَينِ"، عن أبي موسى: "أنَّه شَهِدَ ذاتَ الرِّقاع، وأنَّهم كانوا يَلُفُّونَ على أرْجُلِهِمُ الخِرَقَ لما نَقِبَتْ" (٤).
وقد شهِدَها أبو هريرةَ ولم يُسلِمْ إلَّا قبلَ وفاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأربعِ سِنينَ، كما في "السُّننِ"، عن حُمَيدٍ؛ قال: صَحِبَ أبو هريرةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أربعَ سنينَ (٥)؛ ففي "المُسنَدِ"، و"السُّننِ"؛ أنَّ مَرْوَانَ بنَ الحَكَمِ سألَ
(١) "صحيح البخاري" (٥/ ١٠٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٩٧) (٥/ ١٠٧).
(٣) أخرجه البخاري (٤٢٣٠) (٥/ ١٣٧).
(٤) أخرجه البخاري (٤١٢٨) (٥/ ١١٣)، ومسلم (١٨١٦) (٣/ ١٤٤٩).
(٥) أخرجه أبو داود (٨١) (١/ ٢١)، والنسائي (٢٣٨) (١/ ١٣٠).