وبهذا فال مجاهدٌ وعطاءٌ وطاوسٌ والحسنُ وسعيدُ بن جُبيرٍ والنَّخَعيُّ وغيرُهم.
ويشتدُّ هذا عندَ المُطارَدةِ؛ فقد يسقُط في بعضها حتَّى الإشارةُ ويُكتفى بالقولِ وحضورِ القبِ على قولِ جماعةٍ مِنَ السلفِ.
وقد تعدَّدَتْ صورُ صلاةِ الخوفِ حتَّى جعَلَ بعضُ الفقهاءِ الاختلافَ اليسيرَ بينَها فَرْقًا لي الصِّفة، وقد جاء عدَ ابر حبَّانَ في "صحيحِه" نحوٌ مِن تِسْعٍ، وجعَلَها ابنُ حَزمٍ أربعَ عَشْرةَ صِفةً.
تأخيرُ الصلاةِ عد اشتدادِ القتالِ:
وقد اختُلِفَ في جوازِ تأخيرِ الصلاةِ عن وقتِها عند اشتدادِ القتال، والتحامِ الصفوف، وتعذُّرِ الإيماءِ - على قولَينِ في مذهبِ أحمدَ.
والجمهورُ: على أنَّها لا تُؤخَّرُ.
والقولُ الآخَرُ لأحمدَ: جوازُ تأخيرِها، ومال إليه البخاريُّ، وقال به مِن السَّلَفِ مكحولٌ والأوزاعيُّ؛ وعلى هذا حمَلَ بعضُهم صلاةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في يومِ الأحزابِ حينَما أخَّرَها حتَّى غروبِ الشمس، وبهذا عمِلَ الصحابةُ في فتحِ تُسْتَرَ حينَما التَحَمَ الصَّفَّان، فأخَّرُوا الفَجْرَ إلى الضُّحَى، كما علَّقَه البخاري: "قال أنسُ بنُ مالكٍ: حَضَرْتُ عِندَ مُنَاهَضَه حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ القِتَال، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاة، فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (١).
وكان ذلك في خِلَافةِ عُمَرَ، وفيهم صحابةٌ كثيرٌ، وهذا يَشتَهِرُ ولا يُقالُ إلَّا إنَّه جَرى على السُّنَّةِ وأحَدِ وجوهِ صلاةِ الخوف عندَهم.
(١) "صحيح البخاري" (٢/ ١٥).