قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩)} النساء: ١٢٩.
ومفهومُ هذه الآيةِ: وجوب العدلِ بينَ النساءِ؛ وهذا لا خلافَ فيه، وقد جاء في "سنن أبي داود" أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأتانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) (١).
والمراد بالاستطاعةِ المَنْفِيةِ مِن العدلِ في قوله، {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}: عدلُ القَلبِ وعدمُ مَيْلِهِ لإحدى الزوْجاتِ؛ لِمَا جعَلَهُ اللهُ فيهِنَّ مِن تاينٍ يتَبايَن معه ميل القلْب، فأمَرَ اللهُ لعدَمِ الاستجابةِ العمَليَّة لِميلِ القلبِ استجابةَ تُؤثِّرُ على العدلِ في القَسْمِ والنَّفَقةِ والعطيَّةِ؛ ولذا قال: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}.
قال ابنُ عبَّاسِ في الاستطاعةِ المنفيَّةِ: "هي الجِمَاعُ والحُبُّ"؛ رواهُ عنه عليُّ بن أبي طَلْحةَ، وروِيَ هذا عن عَبِيد السَّلْمانيِّ والحسَنِ وغيرِهما.
وقال الصَّحَّاكُ: "هو الشَّهوةُ والجِمَاعُ" (٢).
والمراد واحدٌ.
والميلُ المنهيُّ عنه في قوله: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} هو المَيْلُ المتعمَّدُ؛ كما قالَهُ مجاهِدٌ وغيرهُ (٣)، وهو ميلُ النَّفسِ بالعمَلِ بعدَمِ العدلِ في النَّفَفةِ والقَسْم والقولِ.
(١) أخرجه أبو داود (٢١٣٣) (٢/ ٢٤٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٦٨ - ٥٧٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٠٨٣).
(٣) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٧٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٠٨٣).