أعظَمُ مِن تَبِعَتِها على المجتهِدِ المُخطِئِ فيها، وهذا مِن الفقهِ لا مِن التعدِّي على المسائلِ الشرعيَّةِ بلا عِلْم، ولأنَّ اللهَ لا يسكُتُ عَن حُكمٍ ولا يُبيِّنُهُ في كتابهِ ولا يفصِّلُ فيه في سُنَّةِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - إلَّا ويجعلُ فيه مِن السَعَةِ للمجتهِدِينَ أَن يَقْضوا فيه بما يُوافِقُ الأصولَ ولا يُعارِضْها، ويجري مَجرى الفروعِ ولا يُعطِّلُها، وقد جاء تفسيرُ الكلالةِ عَنِ السَّلَفِ والفُقهاءِ على معَانٍ:
الأوَّلُ: ما قضى أبو بكرٍ به في الكَلَالة، وتَبِعَهُ عُمَرُ؛ أنَّ الكلالةَ هي ما عَدا الوالِدَ والولَدَ؛ رواهُ الدَّارِمي مِن حديثِ الشعْبيِّ عنهُما (١).
ومُرادُهما: كلُّ مَن ماتَ وليس له والدٌ ولا ولَدٌ، مهما كان وارثُهُ الموجودُ زوجًا أو أخًا أو غيرَهما.
الثاني: أنَّ الكَلَالةَ هي مَن لا ولَدَ له؛ وبهذا قال مِن الصحابةِ: ابنُ عُمَرَ وابنُ عبَّاسٍ، ورُوِى قولًا لعُمرَ صحيحًا؛ أخرَجَهُ ابنُ جرير عنه (٢)، وبه قال طاوسٌ.
وأخَذَ مَن جعَلَ الكَلَالةَ هي فَقْدَ الولَدِ وحدَهُ ولو كانَ الوالدُ موجودًا - بظاهِرِ قولِه تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}.
وتُعُقِّبَ: بأنَّ عدَمَ ذِكْرِ الوالدِ للعِلْمِ به؛ لأنَّ الآيةَ نزَلَت في حالِ جابرٍ، ولم يكنْ له والِدٌ ولا ولَدٌ حِينَ نُزولها؛ ففي "الصحيحين"، عن حابرٍ؛ قال: "مَرِضْتُ فَأتَانِي رَسْولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكرٍ يَعُودَانِي مَاشِيَين، فَأُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضوئِه، فَأفَقْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كَيفَ أَقضِي فِي مَالِي؟ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، حَتَّى نزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}؛ واللفظُ لِمُسلمٍ (٣).
(١) أخرجه الدارمي (٢٩٧٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٨٠).
(٣) أخرجه البخاري (٥٦٥١) (٧/ ١١٦)، ومسلم (١٦١٦) (٣/ ١٢٣٤).