أربعةٌ؛ كما في قولِه في سورة التوبةِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ٣٦، وهي: ذو القَعْدَة، وذو الحِجَّة، ومحَرَّمٌ، ورَجَبٌ، ثلاثةٌ متتاليةٌ، وواحدٌ وحدَه.
وهذه الآيةُ عدَّها أحمدُ الآيةَ التي لم يُنْسَخْ غيرُهَا في المائدة، وأنَّ ما عداها مُحْكَمٌ (١).
وقد تقدَّمَ في سورة البقرةِ الكلامُ على الأشهُرِ الحُرُمِ وتعظيمِها وتحريمِ القتالِ فيها ومراحلِ نَسخِه، حتى نُسِخَ القتالُ وبَقِيَ التعظيمُ.
ويتفقُ العلماءُ خلا عطاءٍ ونَزْرٍ غيرِه على نسخِ القتالِ في الأشهُرِ الحُرُم، وحكى الإجماعَ ابنُ جريرٍ (٢) وغيرُه، وأمَّا تعظيمُها؛ فبالتشديدِ في ارتكاب المحرَّماتِ والإتيانِ بالطاعات، ولا يَلزَمُ مِن دلك: تحريمُ القتالِ فيها بمجاهدةِ المشرِكينَ ودفعِ الصائلِ والباغِي؛ لأنَّه مِن أعمالِ البِرِّ والطاعةِ؛ وذلك لقولِه في براءةَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التوبة: ٥.
وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتالُهُ في الأشهرِ الحُرُمِ؛ حيثُ غزَا هوازنَ بحنينٍ وثقيفًا بالطائفِ في شهرِ ذي القَعْدةِ؛ كما في كُتُبِ الصحيحِ.
وأغْزَى أبا عامرٍ إلى أوْطَاسٍ في الشهرِ الحرامِ.
وغزوةُ ذاتِ الرِّقاعِ لثمانٍ خَلَوْنَ مِن شهرِ المحرَّم، وغَزَا بني قُريظةَ لسِبعٍ بَقِينَ مِن ذي القَعدة، وغَزَا غَروَتَهُ في تَبُوكَ لخمسٍ خَلَوْنَ مِن رجبٍ.
وقد بايَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على قتالِ قريشٍ بَيْعةَ الرِّضْوانِ في ذي القَعْدة،
(١) "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٣٩).