وقال الشافعي: إنَّه لا يصيرُ هَذيًا محرَّمًا إلا بالنطقِ باللِّسانِ أنَّه هَدْيٌ.
وإشعارُ الهَدْيِ هو جَرْحُهُ مِن صفحةِ سَنَامِهِ ليسيلَ الدمُ عليه فيعرِفَهُ الناسُ أنَّه هَدْيٌ، وهو سُنَّةٌ، خلافًا لأبي حنيفةَ فقد كَرِهَهُ، وهو سُنَّةٌ والقولُ بكراهته مكروهٌ؛ لثبوتِ السُّنَّةِ فيه.
ويقلَّدُ الهَدْيُ أيضًا بالصُّوفِ والوَبَرِ المَفتُولِ؛ كما في حديثِ عائشةَ (١)، أو النِعالِ؛ كما في حديثِ ابن عبَّاسٍ (٢)؛ ودلك لتُعرَفَ أنَّها هَدْيٌ كذلك.
وحُكمُ البقرِ كالإبلِ: الإشعارُ والقلائدُ معًا، والأظهر: أنَّ الغنمَ تُقلَّدُ ولا تُشعَرُ.
وقوله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا}، فيه حُرْمةُ قاصِدِ البيتِ، وتحريمُ التعدِّي عليه وتخويفِهِ وصدِّهِ عن قصدِ الكعبةِ ولو كان في الحِلِّ؛ لأنَّه قاصدٌ للهِ ولبيتِه، فلا يجوزُ أن يُصَدَّ عن عبادتِه. وفيه: أن السيرَ إلى البيتِ الحرامِ عبادةٌ عظيمةٌ، لصاحِبِها حقٌّ ولو كان في أقصى الأرضِ.
التجارةُ في الحجِّ والعُمْرة:
ومَن قصَدَ البيتَ الحرامَ مِن المسلِمينَ ولو للتجارة، فله حقُّ التأمينِ وعدمِ تخويفِه، لأنه يَسُوقُ لأهلِ الحَرَمِ رزقًا: طعامًا وكساءً وسكنًا، فيجبُ احترامُهُ وتأمينُه، وعلى هذا حُمِلَ قوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ}؛ قال مجاهدٌ وعطاءٌ وأبو العاليةِ: "هي التِّجارةُ" (٣)، ثمَّ ذكَرَ الله
(١) أخرجه البخاري (١٦٩٦) (٢/ ١٦٩)، ومسلم (١٣٢١) (٢/ ٩٥٧).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٢/ ١٠ - ١١).
(٣) أخرجه مسلم (١٢٤٣).