وقال بعضُ العلماءِ: إنَّ معنى قولِهِ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؛ أيْ: مَدْعًى؛ أيْ: مكانًا للدعاءِ؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؛ قال: مَدْعًى (١).
وقولُه: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}: عَهِدَ اللهُ إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ بتطهيرِ البيتِ مِن جميعِ النجاساتِ الحِسِّيَّةِ والمعنويَّةِ؛ مِن الشِّرْكِ قولًا وعملًا واعتقادًا أنْ يقعَ حولَهُ، ومِن الأقذارِ والأنجاسِ.
والعهدُ عدَّاهُ هنا بـ "إلى"، ومعناهُ الوصيَّةُ، وإذا لم يُعَدَّ بـ "إلى"، فمعناهُ: عهدٌ مؤكَّدٌ بلزومِ وحتميَّةِ وقوعِه، وهو العهدُ القَدَرِيُّ، والعهدُ عهدانِ: عهدٌ قدريٌّ؛ كقولِه تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} البقرة: ١٢٤، وشرعيٌّ؛ وهو كما في هذه الآيةِ.
وفي هذه الآيةِ: دَلَالةٌ على أنَّ مَنْعَ المشرِكِينَ مِن دخولِ المسجدِ الحرامِ وصيَّةُ اللهِ لإبراهيمَ وإسماعيلَ؛ وهذا رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ؛ رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ جُبَيْرٍ، عنه (٢).
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: ٢٨؛ والنجاسةُ هنا نجاسةُ كُفْرٍ، وهي النجاسةُ المعنويَّةُ، والواجبُ فيها: التطهيرُ بالإيمانِ، أو بالإزالةِ وذلك بإخراجِ الكافرِ مِن هذا الموضعِ.
وفي الآيةِ: دَلَالةٌ على أنَّ هَيْبةَ المسلمينَ تكونُ باجتماعِهم بلا مُشْركٍ، خاصَّةً في مواضعِ العبادةِ.
المُكْثُ في المسجدِ، والنَّومُ فيه:
وقولُه: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}: العاكفُ
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢٢٧).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢٢٧).