كما هو اليومَ بالمبالغةِ بإيرادِ أقوالِ الكافِرِينَ في الثَّنَاءِ على الإسلامِ والإعجابِ به أكثَرَ مِن ايرادِ نصوصِ الإسلامِ وبيانِ عظمتِها ووجوبِ التسليمِ لها واليقينِ بها.
وقوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}؛ يعني مِن إظهارِ دينِكم ومُخالفَتِكُمْ لهم، فتَهزِمُوا أنفسَكم وتُعِزُّوا نفوسَ عدوِّكم، ومِن أعظَمِ وجوهِ العزةِ إظهارُ شعائرِ الدِّينِ للمؤمنِ.
وذِكر الخشيةِ بعدَ ذِكرِ المحرَّمات، ثم ذِكرُهُ لإعجابِ الكفارِ بالإسلامِ وجحدِهِ حسدًا: دليلٌ على أن ضَعْفَ نَفسِ المؤمنِ وعدمَ ثقتِهِ بدينه يُورِثُهُ خشيةً مِن عدوِّه، فإن أعظَمَ الهزائمِ هزائمُ النفسِ.
نعمةُ كمالِ الدِّينِ:
ثم قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}؛ وذلك في يومِ عرفةَ يومَ الجُمُعة، وقد نزَلَتِ الآيةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلتِه وهو واقفٌ بعرفةَ، كما في "الصحيحَينِ"؛ مِن حديثِ عمرَ (١).
وكمال الدِّينِ أعظَمُ النِّعَم، وقد سمَّى اللهُ دينَهُ نعمةً وأضافَها إليه؛ لعِظَمِها على غيرِها: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، وقد وصَفَ اللهُ الإسلامَ بالكمال، وأكَّدَهُ بالتَّمام، وعقَّبَهُ بالرِّضا، وكلُّ دِينٍ غيرِهِ ليس بكاملٍ ولا تامٍّ ولا مَرْضيٍّ، سواءٌ كان أصلُهُ مِن نقلٍ أو مِن عقلٍ.
ثم قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ وفي ذلك التيسيرُ للمضطرِّ غيرِ القاصدِ للمحرَّمِ: بأنْ يأكُلَ المَيْتةَ إنْ خشِيَ الهلاكَ والموتَ ولم يجدْ بديلًا مِن نباتِ الأرضِ
(١) أخرجه البخاري (٤٥) (١/ ١٨)، ومسلم (٣٠١٧) (٤/ ٢٣١٢).