قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)} المائدة: ٣٣ - ٣٤.
بعدَما ذكَرَ اللهُ قصةَ ابنَيْ آدمَ، وأنَّ عُدْوانَ الفردِ إنْ نعدَّى، اتَّخَذَهُ الناسُ حِرَابةً فمِن قتلِ الفردِ إلى قتلِ الجماعة، جعَلَ حدودًا للفساد، وذلك ببيانِ عاقبةِ القاتلِ والمحارِبِ في الآخِرةِ وبيانِ حَدِّهِ في الدُّنيا، وفي ترتيب الآيةِ بعدَ الآياتِ السابقةِ: أنَّ اللهَ حَدَّ الحدودَ وشرَعَ العقوبات بسببِ مخالَفةِ بني آدمَ، ولولا فسادُهم ومخالفتُهم، ما كلَّفَهم ذلك، فقد ذكَر اللهُ بدايةَ فتنةَ القتلِ وخطورتَهُ ووقوعَه، ثم بيَّنَ عِقابَهُ وحَدَّهُ لرَدْعِه.
الحِرَابةُ ومعناها ونزولُ حُكْمِها:
والمُحارَبةُ مِن المُفاعَلةِ، وتكونُ مِن طرَفَيْنِ كالمُقاتَلةِ، وكأنَّ المحارِبَ يَستعدِي غيرَهُ ليفعَلَ مِثلَه، فيَقتتِلَ الطرَفانِ؛ فتُزهَقَ الأرواحُ وتفسُدَ الأموالُ، ويَحْمِلُ إثمَ الطرَفَيْنِ مَن تسبَّبَ في ذلك، وهو أوَّلُهم.
ولا يَلزَمُ مِن المُحارَبةِ القتلُ؛ وإنَّما أخذُ الأموالِ وسَلْبُها وتخويفُ السائِرِينَ مِن الحِرابةِ؛ ولذا قال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}.
وجاء الخبرُ: أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ في أهلِ الكتابِ، وجاء الخبرُ: أنَّها نزَلتْ في المُحارِبِينَ ممَّن ارتَدَّ من المُسلِمينَ، فقطَعَ الطريقَ وأخافَ الآمِنينَ، وجاء الخبرُ: أنَّها في كلِّ مُحارِب قاطعٍ للطريقِ مُسلِمًا مبتدِعًا أو كافِرًا.
ونزولُها فيمَن ارتَدَّ مِن المُسلِمينَ وقطَعَ الطريقَ وأخافَ الآمِنَ أصحُّ وأشهُر.