حُكْمَ المحارِبِ وقاطِع الطريقِ القتلَ أو الصَّلْبَ أو تقطيعَ الأيدِي والأرجُلِ مِن خلافٍ أو أَنْ يُنفَوْا مِن الأرضِ.
وممَّن قال بالنسخِ: مَن جعَلَ الناسخَ هو نهيَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن المُثْلَة، وأنَّ اللهَ عاتَبَهُ على ما فعَلَ؛ وقال بهذا أبو الزِّنَادِ كما رواهُ أبو داودَ (١)، ولا دليلَ على النسخ بالمُثْلةِ؛ إذْ لا دليلَ صريحًا يَعضُدُهُ.
ومِن السلفِ -كابنِ سِيرِينَ- مَن جعَلَ فِعْلَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالعُرَنيِّينَ كان قبلَ فرضِ الحدودِ (٢)، واستُدرِكَ: بأنَّ جريرَ بنَ عبد اللهِ روى قصةَ العُرنيِّينَ، وإسلامُهُ متأخِّرٌ بعدَ المائدةِ.
ومنهم مَن قال: بإحكامِ حُكْمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في العُرَنيِّينَ، وهذا قولُ الأكثرِ؛ كمالك والشافعيِّ وغيرِهما، وأمَّا سَمْلُ الأَعْيُنِ: فإنَّما فعَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قِصاصًا؛ لأنَّ العُرنيِّينَ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعاة، كما ثبَتَ في مسلمٍ، عن أنسٍ؛ قال: "إنَّمَا سَمَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْيُنَ أُولَئِكَ؛ لِأَنهُمْ سَمَلُوا أعْيُنَ الرِّعَاءِ" (٣).
الحِرَابةُ في الحضرِ والسفرِ:
ولا يَلزَمُ في المُحارِبِ أنْ يكونَ في فَلاةٍ؛ وإنَّما قطعُ الطريق، وتخويفُ الآمِن، وخَطْفُهُ وسَلْبُه، ولو كان في حَضَرٍ وفي بَلَدٍ معمورةٍ، فحُكْمُهُ واحدٌ عندَ جمهورِ العلماءِ؛ نصَّ عليه السلفُ؛ كمجاهدٍ وغيرِه، وقال به مالكٌ والشافعي وأحمدُ.
خلافًا لأبي حنيفةَ؛ فقد جعَلَ الحِرَابَةَ في الفَلاة، لا في المدينةِ المعمورةِ.
وهذا القيدُ فيه نظرٌ؛ لعموم الآيةِ وعمومِ العِلَّة، فيجبُ أنْ يَعُمَّ الحُكْمُ، بل إنَّ تخويفَ الآمِنِ وسَلْبَهُ وخَطْفَهُ في الحلِّ والحَضَرِ أعظَمُ
(١) أخرجه أبو داود (٤٣٧٠) (٤/ ١٣١)، والنسائي (٤٠٤٢) (٧/ ١٠٠).
(٢) أخرجه البخاري (٥٦٨٦) (٧/ ١٢٣).
(٣) أخرجه مسلم (١٦٧١) (٣/ ١٢٩٨).