المُسلِمينَ؛ إذْ إنَّ الإقامةَ بينَ ظَهْرَانَي المُشرِكينَ لا تجوز إلا لشديدِ حاجةٍ أو مَظلِمةٍ؛ ويُروى عن ابنِ جُبَيْرٍ وغيرِهِ نفيُهُ مِن أرضِ الإسلامِ إلى أرضِ الكفرِ (١)، ولعلَّه أراد دَفْعَ عَادِيَتِهِ بمُطاردتِهِ وطَلَبِه، لا بإجلائِهِ ليُقِيمَ بينَ ظَهْرَانَيْهِم.
ومِن السلفِ: مَن حمَلَ النفيَ على طَلَبِهِ لو كان هاربًا؛ فلا يستقِرُّ له قرارٌ متخفِّيًا.
ومنهم مَن قال: إنَّ النفيَ هو التغريبُ إلى بلدٍ غير بلدِه.
ومنهم مَن حمَلَهُ على السجنِ؛ كمالكٍ في رواية مُطَرِّفٍ، وأبي حنيفةَ.
وكلُّ ذلك صحيحٌ بحسَبِ الحالِ.
وجاء عن بعضِ السلفِ: مَن جعَلَ النفيَ لمن أخافَ ولم يأخُذْ مالًا أو يَقتُلْ أو يَنتهِكْ عِرْضًا؛ وبه قال ابنُ عبَّاسٍ وابنُ جُبيرٍ والحسنُ، وأمَّا عطاءٌ: فيجعلُ النفيَ لمَن قُدِرَ عليه قبلَ أن يفعَلَ شيئًا وإنَّما عزَمَ على قطعِ الطريقِ.
حكمُ سجنِ أهلِ الحِرَابةَ:
ويَأخُذُ الحبسُ اليومَ حُكْمَ النفي؛ لأنَّ في كلٍّ منهما معنى التغريبِ ومفارقةِ الأهلِ والبلدِ.
وحَدُّ الحِرَابةِ للقاضي، يقدِّرُهُ فيما يراهُ مِن صالحِ المُسلِمينَ لا يُقدِّرُهُ بهواهُ، وليس ذلك لأصحاب المالِ كالسرقة، وليس لأصحابِ الدمِ كالقِصَاصَ؛ لأنَّ الحِرَابةَ أذًى متعدٍّ للناسِ جميعًا بتخويفِهم وقطعِ سبيلِهم، ولا يَملِكُ حقَّ الناسِ في هذا إلا الحاكمُ، ولا يَملِكُ أصحابُ الحقوقِ إسقاطَ الحدِّ.
(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٣٨٦).