الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لأَهْلِهَا أَمْ لَا! ) (١).
وحديثُ عُبادةَ أصَحُّ، وفي حديث أبي هريرةَ عدمُ العِلْم، وظاهرُهُ: أنه سابقٌ للعِلْمِ الواردِ في حديثِ عُبادةَ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يقضي إلا بعِلْمٍ سابقٍ، ولمَّا لم يَقْضِ في حديثِ أبي هريرةَ دلَّ على انتفاءِ العِلْمِ وانتظارِ الوحي، ولمَّا جاء حديثُ عُبادةَ، دلَّ على مجيءِ الوحي به؛ قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} النجم: ٣ - ٤.
وعدمُ إخراج الشيخَيْنِ لِمَا يُخالِفُ حديثَ عُبادةَ قرينةٌ على إعلالِ الحُكْمِ المُخالِفِ له وردِّه بنسخِهِ أو ردِّ حديثِهِ بإعلالِه، وقد أعَلَّ البخاريُّ في "التاريخِ" حديثَ أبي هريرةَ بالإرسال، وقال: "المرسَلُ أصحُّ، ولا يَثبُتُ هذا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبتَتَ أنَّ الحدودَ كفَّارةٌ" (٢).
وقد قال الشافعيُّ: "لم أَسمَعُ في الحدودِ حديثًا أبْيَنَ من هذا"؛ يعني: حديث عُبادةَ (٣).
ويقولُ بحديثِ عُبادةَ أنَّ الحَدَّ كفَّارةٌ ولو لم يَتُبْ صاحبُ الذنبِ منه: الثوريُّ والشافعيُّ وأحمدُ.
وقال بعضُ العلماءِ: باشتراطِ التوبةِ مع الحدِّ؛ لظاهرِ الآية: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}، والأصلُ: أنَّ التوبةَ تكفي في إسقاطِ الذنب ولو لم يُقَمِ الحدُّ فيمَن زَنَى أو سَكِرَ أو فعَلَ غيرَ ذلك ممَّا كان مِن حقِّ اللهِ؛ فلا حاجةَ لاشتراطِ التوبةِ مع إقامةِ الحدِّ؛ لتواتُرِ الأحاديثِ على ذلك، ولكنَّ الله ذَكَرَ العقوبةَ في الآخِرةِ والدُّنيا بالخزي لِمَنْ لم يَتُبْ ولم يُقَمْ عليه الحدُّ جميعًا؛ لعدم قيامِ مُوجِبِ
(١) أخرجه البزار في "مسنده" (٨٥٤١) (١٥/ ١٧٦)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٦) و (٢/ ١٤ و ٤٥٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٢٩).
(٢) "التاريخ الكبير" للبخاري (١/ ١٥٣).
(٣) "الأم" (٦/ ١٤٩).