الرابعُ: أَنَّه لا يَقضِي إلَّا عارفٌ بالحيوان وأشباهِهِ وصِفاتِه، ومَن لم يَعرِفْ أحوالَ الحيوانِ وأنواعَهُ، لم يَجُزْ له الحُكْمُ؛ حتى لا يَقضِيَ بجهلٍ؛ فإنَّ العِلْمَ أعظَمُ أصولِ العَدْل، والجَهْلَ أعظَمُ أصولِ الظُّلمِ.
الخامسُ: اشتراطُ الإسلامِ في المُسلمينِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} يعني: مِن المُسلِمينَ؛ كما قال تعالى، {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ}، والخِطابُ للمُؤمنينَ في الآيةِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
حكمُ الصحابةِ في صيدِ المحرِمِ:
وقضاءُ الصحابةِ ليس توقيفيًا؛ لاختلافِ الأحوالِ وتغيُّرها، ولكنَّ حُكمَهُمْ أقرَبُ إلى الحقِّ والصوابِ؛ ولذا جعَلَ أحمدُ والشافعيُّ حُكمَهم مقدَّمًا على غيرِهم؛ فما حَكَمُوا فيه يُحكَمُ فيه، وما لم يحكُمُوا فيه فيحكُمُ به ذوَا عَدْلٍ.
وقال مالك وأبو حنيفةَ: إنَّ الحُكمَ ثابتٌ في كلِّ قضيةٍ ولو قَضَى فيها الصحابةُ، امتثالًا، لظاهِرِ الأمر، والمقطوعُ به: أنَّ قضاءَ الصحابةِ وحُكْمَهُمْ ليس وحيًا، ولا يقالُ فيمَن خالَفَهُ: خالَفَ القرآنَ والسُّنَّةَ، ما لم يُجمِعُوا؛ ولهذا اختلَفُوا في تقديرِ بعضِ الصيدِ بينَهم.
قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} إخراجُ فِدْيةِ الصيدِ مِن الهَدْيِ إلى البلدِ الحرام، ويجبُ ذبحُه فيها، وتوزيعُهُ على أهلِها؛ لظاهِرِ الآيةِ.
قال تعالى: {أَو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} يعني: مَنْ لم يَجِدْ مثيلًا للصيدِ ولا قريبًا منه، فيُطعِمُ مساكينَ بقيمتِهِ؛ وبهذا قَضَى عمرُ وعثمانُ وعليٌّ وابنُ عبَّاسٍ وزيدٌ.
وجعَلَ مالكٌ والشافعيُّ لكلِّ مسكينٍ مُدًّا.
وذهَبَ أحمدُ: إلى أنَّ الحِنطَةَ تختلِفُ عن غيرِها؛ فمنها مُدٌّ للمسكين، ومِن غيرِها مُدَّانِ.